تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَلَا تَكُن فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآئِهِۦۖ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (23)

الآية 23 وقوله تعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه } اختلف فيه :

قال بعضهم : { فلا تكن في مرية من لقائه } أي من أن تلقاه يوم القيامة . وقال بعضهم : { فلا تكن في مرية من } لقاء موسى التوراة ، فإن الله ألقى التوراة عليه حقا ، فتلقاها( {[16429]} ) عيانا . وقال بعضهم : { فلا تكن في مرية من لقائه } ليلة أسرى به ؛ قد روي مثل هذا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد أسري به ، وعرج إلى السماء ، فقال له موسى : كذا وكذا أشياء ، ذكرت في أمر الصلاة وغيره .

فلا ندري أثبت ذلك أم لا ؟ أو إن ثبت فكيف كان ذلك ؟ [ أأوحي ]( {[16430]} ) له ، فقال ما ذكر ، أم رأى ذلك في المنام ، ورؤيا الأنبياء حق ، أو كيف كان ؟ [ فالأمر لله ]( {[16431]} ) والله أعلم .

وقوله تعالى : { وجعلناه هدى لبني إسرائيل } قال بعضهم : جعلنا موسى هدى لبني إسرائيل ، يجعل الهاء كناية عن موسى . وقال بعضهم : { وجعلناه } أي الكتاب الذي أوتي موسى هدى لبني إسرائيل . ثم يحتمل قوله { هدى لبني إسرائيل } وجهين :

أحدهما : البيان : أي جعلناه بيانا لهم ، يبين ما لهم وما عليهم وما لله عليهم .

والثاني : { هدى لبني إسرائيل } أي دعاء لبني إسرائيل ، يدعون الخلق به إلى توحيد الله وألوهيته .

الهدى المضاف إلى الخلق يخرج على هذين الوجهين : على البيان والدعاء .

والهدى المضاف إلى الله يخرج على وجوه أربعة : على البيان وعلى الدعاء [ اللذين ذكرنا ]( {[16432]} ) وعلى وجهين آخرين :

أحدهما : التوفيق والمعونة ، والثاني : على خلق فعل الاهتداء منهم .

على هذه الوجوه الأربعة تخرّج إضافة الهدى إلى الله ، وإلى الخلق على الوجهين اللذين ذكرناهما .

فإن قيل : كيف خص موسى أنه جعله هدى لمن ذكر ؟ وذلك قد يكون في غيره ، وهو ما جعل في خلقه كل أحد شهادة وحدانيته وألوهيته . قيل : ذلك إنما يدرك بالنظر والتفكر ، وأما في ما ذكر فيدرك بالبديهة ، والله أعلم .


[16429]:في الأصل وم: فلقيها.
[16430]:في الأصل وم: أنه أوحى.
[16431]:في الأصل وم: لأمر الله.
[16432]:في الأصل وم: الذي ذكرنا أيضا.