لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَلَا تَكُن فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآئِهِۦۖ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (23)

قوله تعالى { ولقد آتينا موسى الكتاب } أي التوراة { فلا تكن في مرية } أي في شك { من لقائه } أي من لقاء موسى ليلة المعراج ، قاله ابن عباس ( ق ) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « رأيت ليلة أسري بي موسى رجلاً آدم طوالاً جعداً كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى رجلاً مربوعاً مربوع الخلق إلى الحمرة وإلى البياض سبط الشعر ، ورأيت مالكاً خازن النار ، والدجال في آيات أراهن الله إياه فلا تكن في مرية من لقائه » ( م ) عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أتيت على موسى ليلة المعراج ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره » . فإن قلت قد صح في حديث المعراج أنه رآه في السماء السادسة عند مراجعته في الصلوات فكيف الجمع بين هذين الحديثين . قلت يحتمل أن تكون رؤيته في قبره عند الكثيب الأحمر ، كان قبل صعوده إلى السماء وذلك في طريقه إلى بيت المقدس ، ثم لما صعد إلى السماء السادسة وجده هناك قد سبقه لما يريد الله عز وجل وهو على كل شيء قدير . فإن قلت كيف تصح منه الصلاة في قبره وهو ميت وقد سقط عنه التكليف وهو في دار الآخرة وليست دار عمل . وكذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الأنبياء وهم يحجون فما الجواب عن هذا ؟ قلت يجاب عنه بأجوبة أحدها : أن الأنبياء كالشهداء بل هم أفضل منهم والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ، فلا يبعد أن يحجوا أو يصلوا كما صح في الحديث وأن يتقربوا إلى الله بما استطاعوا وإن كانوا قد ماتوا لأنهم بمنزلة الأحياء في هذه الدار التي هي دار العمل ، إلى أن تفنى ثم يرحلون إلى دار الجزاء التي هي الجنة . الجواب الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم رأى حالهم الذي كانوا عليه في حياتهم ومثلوا له كيف كانوا وكيف كان حجهم وصلاتهم . الجواب الثالث : أن التكليف وإن ارتفع عنهم في الآخرة لكن الذكر والشكر والدعاء لا يرتفع ، قال الله تعالى { دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام } وقال صلى الله عليه وسلم « يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس » فالعبد يعبد ربه في الجنة أكثر مما كان يعبده في الدنيا وكيف لا يكون ذلك وقد صار حاله مثل حال الملائكة والذين قال الله في حقهم { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } غاية ما في الباب أن العبادة ليست عليهم بتكليف بل هي على مقتضى الطبع والله أعلم ، وقيل في قوله { فلا تكن في مرية من لقائه } أي تلقى موسى كتاب الله بالرضا والقبول { وجعلناه } أي الكتاب { هدى لبني إسرائيل } .