البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَلَا تَكُن فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآئِهِۦۖ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (23)

لما قرر الأصول الثلاثة : الرسالة ، وبدء الخلق ، والمعاد ، عاد إلى الأصل الذي بدأ به ، وهو الرسالة التي ليست بدعاً في الرسالة ، إذ قد سبق قبلك رسل .

وذكر موسى عليه السلام ، لقرب زمانه ، وإلزاماً لمن كان على دينه ؛ ولم يذكر عيسى ، لأن معظم شريعته مستفاد من التوراة ، ولأن أتباع موسى لا يوافقون على نبوته ، وأتباع عيسى متفقون على نبوة موسى .

و { الكتاب } : التوراة .

وقرأ الحسن : في مرية ، بضم الميم ، والظاهر أن الضمير عائد على موسى ، مضافاً إليه على طريق المفعول ، والفاعل محذوف ضمير الرسول ، أي من لقائك موسى ، أي في ليلة الإسراء ، أي شاهدته حقيقة ، وهو النبي الذي أوتي التوراة ، وقد وصفه الرسول فقال : « آدم طوال جعد ، كأنه من رجال شنوءة حين رآه ليلة الإسراء » ، قاله أبو العالية وقتادة وجماعة من السلف .

وقال المبرد : حين امتحن الزجاج بهذه المسألة .

وقيل : عائد على الكتاب ، فإما مضاف إليه على طريق الفاعل والمفعول محذوف ، أي من لقاء الكتاب موسى ووصوله إليه ، وإما بالعكس ، أي من لقاء موسى الكتاب وتلقيه .

وقيل : يعود على الكتاب على تقدير مضمر ، أي من لقاء مثله ، أي : إنا آتيناك مثل ما آتينا موسى ، ولقناك بمثل ما لقن من الوحي ، فلا تك في شك من أنك لقنت مثله ولقيت نظيره ، ونحوه من لقائه قوله : { وإنك لتُلَقّى القرآن } .

وقال الحسن : يعود على ما تضمنه القول من الشدة والمحنة التي لقي موسى ، وذلك إن إخباره بأنه آتى موسى الكتاب كأنه قال : ولقد آتينا موسى هذا العبء الذي أنت بسبيله ، فلا تمتر أنك تلقى ما لقي هو من المحنة بالناس .

انتهى ، وهذا قول بعيد .

وأبعد من هذا ، من جعله عائداً على ملك الموت الذي تقدم ذكره ، والجملة اعتراضية .

وقيل : عائد على الرجوع إلى الآخرة ، وفي الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : { ثم إلى ربكم ترجعون } .

{ فلا تكن في مرية لقائه } : أي من لقاء البعث ، وهذه أنقال كان ينبغي أن ينزه كتابنا عن نقلها ، ولكن نقلها المفسرون ، فاتبعناهم .

والضمير في { وجعلناه } لموسى ، وهو قول قتادة .

وقيل : للكتاب ، جعله هادياً من الضلالة ؛ وخص بني إسرائيل بالذكر ، لأنه لم يتعبد بما فيها ولد إسماعيل .