ثم بين ذلك بقوله : { اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ } أي : استكبروا عن اتباع آيات الله ، { وَمَكْرَ السَّيِّئِ } أي : ومكروا بالناس في صدِّهم إياهم عن سبيل الله ، { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ } [ أي : وما يعود وبال ذلك إلا عليهم{[24633]} أنفسهم دون غيرهم .
قال{[24634]} ابن أبي حاتم : ذكر علي بن الحسين ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن أبي زكريا الكوفي عن رجل حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياك ومكر السيئ ، فإنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ]{[24635]} ، ولهم من الله طالب " ، {[24636]} ، وقد قال محمد بن كعب القُرَظِي : ثلاث من فعلهن لم ينجُ حتى ينزل به من مكر أو بغي أو نكث ، وتصديقها في كتاب الله : { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ } . { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ } [ يونس : 23 ] ، { فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ } [ الفتح : 10 ] .
وقوله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ } يعني : عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره{[24637]} ، { فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا } أي{[24638]} لا تغير ولا تبدل ، بل هي جارية كذلك في كل مكذب ، { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا } أي : { وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ } [ الرعد : 11 ] ، ولا يكشف ذلك عنهم ، ويحوله عنهم أحد .
و { استكباراً } قيل فيه بدل من النفور ، وقيل مفعول من أجله ، أي نفروا من أجل الاستكبار ، وأضاف «المكر » إلى { السَّيِّىء } وهو صفة كما قيل دار الآخرة ، ومسجد الجامع ، وجانب الغربي ، وقرأ الجمهور بكسر الهمزة من «السَّيِّىء » وقرأ حمزة وحده{[9750]} «السَّيِّىء » بسكون الهمزة وهو في الثانية برفع الهمزة كالجماعة ، ولحن هذه القراءة الزجاج ووجهها أبو علي الفارسي بوجوه منها أن يكون أسكن لتوالي الحركات{[9751]} كما قال :
قلت صاحب قوم . . . . {[9752]}
على أن المبرد روى هذا قلت صاح ، وكما امرؤ القيس : [ السريع ]
اليوم أشربْ غير مستحقب . . . إثماً من الله ولا واغل{[9753]}
على أن المبرد قد رواه فاشرب وكما قال جرير : [ البسيط ]
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم . . . ونهر تيرى ولن تعرفْكم العَرب{[9754]}
وقرأ ابن مسعود «ومكراً سيئاً » ، قال أبو الفتح : يعضده تنكير ما قبله من قوله { استكباراً }{[9755]} ، و { يحيق } معناه يحيط ويحل وينزل ولا يستعمل إلا في المكروه ، وقوله { إلا بأهله } ، أي أنه لا بد أن يحيق بهم إما في الدنيا وإلا ففي الآخرة فعاقبته الفاسدة لهم ، وإن حاق في الدنيا بغيرهم أحياناً فعاقبة ذلك على أهله ، وقال كعب لابن عباس : إن في التوراة «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها » ، فقال ابن عباس : أنا أوجدك هذا في كتاب الله تعالى : { ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله }{[9756]} ، و { ينظرون } معناه ينتظرون ، و «السنة » الطريقة والعادة ، وقوله { فلن تجد لسنة الله تبديلاً } أي لتعذيبه الكفرة المكذبين ، وفي هذا توعد بين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.