تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ} (39)

ثم قال : { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } أي : جعلناه يسير سيرًا آخر يستدل به على مضي الشهور ، كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار ، كما قال تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } [ البقرة : 189 ] ، وقال { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } الآية [ يونس : 5 ] ، وقال : { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا } [ الإسراء : 12 ] ، فجعل الشمس لها ضوء يخصها ، والقمر{[24747]} له نور يخصه ، وفاوت بين سير هذه وهذا ، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد ، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفًا وشتاء ، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل ، ثم يطول الليل ويقصر النهار ، وجعل سلطانها بالنهار ، فهي كوكب نهاري . وأما القمر ، فقدره منازل ، يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور ، ثم يزداد نورًا في الليلة الثانية ، ويرتفع{[24748]} منزلة ، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء ، وإن كان مقتبسًا من الشمس ، حتى يتكامل نوره{[24749]} في الليلة الرابعة عشرة ، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر ، حتى يصير كالعرجون القديم .

قال ابن عباس : وهو أصل العِذْق .

وقال مجاهد : العرجون القديم : أي العذق اليابس .

يعني ابن عباس : أصل العنقود من الرطب إذا عتق ويبس وانحنى ، وكذا قال غيرهما . ثم بعد هذا يبديه الله جديدًا في أول الشهر الآخر ، والعرب تسمي كل ثلاث{[24750]} ليال من الشهر باسم باعتبار القمر ، فيسمون الثلاث الأول " غُرَر " واللواتي بعدها " نفل " ، واللواتي بعدها " تُسع " ؛ لأن أخراهن التاسعة ، واللواتي بعدها " عُشَر " ؛ لأن أولاهن العاشرة ، واللواتي بعدها " البيض " ؛ لأن ضوء القمر فيهن إلى آخرهن ، واللواتي بعدهن " دُرَع " جمع دَرْعاء ؛ لأن أولهن سُود{[24751]} ؛ لتأخر القمر في أولهن ، ومنه الشاة الدرعاء وهي التي رأسها أسود . وبعدهن ثلاث " ظُلم " ثم ثلاث " حَنَادس " ، وثلاث " دآدئ " {[24752]} وثلاث " مَحاق " ؛ لانمحاق القمر أواخر الشهر فيهن . وكان أبو عُبيد{[24753]} ينكر التُّسع والعشَر . كذا قال في كتاب " غريب المصنف " .


[24747]:- في س : "وللقمر".
[24748]:- في ت : "فترتفع".
[24749]:- في أ : "ضوؤه".
[24750]:- في ت : "ثلاثه" وهو خطأ.
[24751]:- في ت، أ : "أسود".
[24752]:- في أ : "درارى".
[24753]:- في أ : "أبو عبيدة".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ} (39)

وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والحسن والأعرج :{ والقمرُ }بالرفع عطفاً على قوله :{ وآية لهم الليل } عطف جملة على جملة ويصح وجه آخر وهو أن يكون قوله :{ وآية } ابتداء وخبره محذوف ، كأنه قال : في الوجود وفي المشاهدة ، ثم فسر ذلك بجملتين من ابتداء وخبر وابتداء وخبر ، الأولى منهما { الليل نسلخ منه النهار } ، والثانية { والقمر قدرناه منازل } ، وقرأ الباقون :{ والقمرَ قدرناه } بنصب { القمر } على إضمار فعل يفسره { قدرناه } وهي قراءة أبي جعفر وابن محيصن والحسن بخلاف عنه ، و { منازلَ } نصب على الظرف ، وهذه المنازل المعروفة عند العرب وهي ثمانية وعشرون منزلة يقطع القمر منها كل ليلة أقل من واحدة فيما يزعمون ، وعودته هي استهلاله رقيقاً ، وحينئذ يشبه { العرجون } وهو الغصن من النخلة الذي فيه شماريخ التمر فإنه ينحني ويصفر إذا قدم ويجيء أشبه شيء بالهلال قاله الحسن بن أبي الحسن ، والوجود تشهد به ، وقرأ سليمان التيمي :{ كالعِرجون } بكسر العين ، و { القديم } معناه :العتيق الذي قد مر عليه زمن طويل .