فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ} (39)

{ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو برفع القمر على الابتداء ، وقرأ الباقون بالنصب على الاشتغال ، وانتصاب منازل على أنه مفعول لأن قدرنا بمعنى صيرنا ، ويجوز أن يكون منتصبا على الحال . أي قدرنا سيره حال كونه ذا منازل ، ويجوز أن يكون منتصبا على الظرفية أي في منازل ، واختار أبو عبيد النصب في القمر ، قال : لأن قبله فعلا وهو ، نسلخ وبعده فعلا وهو : قدرنا .

قال النحاس : أهل العربية جميعا فيما علمت على خلاف ما قال ، منهم الفراء قال الرفع أعجب إلي قال : وإنما كان الرفع عندهم أولى لأنه معطوف على ما قبله ، ومعناه : وآية لهم القمر ، قال أبو حاتم : الرفع أولى لأنك شغلت الفعل عنه بالضمير فرفعته بالابتداء .

والمنازل هي الثمانية والعشرون التي ينزل القمر كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستو يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين ، ثم يستتر ليلتين أو ليلة إذا نقص الشهر وهي معروفة ، وسيأتي ذكرها ، فإذا صار القمر في آخرها عاد إلى أولها فيقطع الفلك في ثمان وعشرين ليلة ثم يستتر ليلتين ثم يطلع هلالا فيعود في قطع تلك المنازل في الفلك كالعرجون .

أخرج الخطيب عن ابن عباس في الآية قال : ( هي ثمانية وعشرون منزلا ينزلها القمر في كل شهر ، أربعة عشر منها شامية وأربعة عشر منها يمانية ، فأولها الشرطين والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك . وهو آخر الشامية ، والغفر والزباني والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود والأخبية ومقدم الدلو ومؤخر الدلو والحوت وهو آخر اليمانية ) .

سئل الرملي : هل القمر الموجود في كل شهر هو الموجود في الآخر أو غيره ؟ فأجاب بأن في كل شهر قمرا جديدا ، {[1398]} انتهى ، وهذا يدل على صحة تجدد الأمثال إن ثبت بالنص من الشارع . ويمكن بمثله القول في الشمس لكن لا دليل على ذلك كله .

{ حَتَّى عَاد } في آخر منازله في رأى العين { كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } هو عود الشمراخ بالضم إذا يبس واعوج والقديم الذي أتى عليه الحول فإذا قدم عتق ويبس وتقوس واصفر فشبه القمر به من ثلاثة أوجه . فإذا سار هذه الثمانية وعشرون منزلا عاد كالعرجون القديم كما كان في أول الشهر ، وهذا يدفع ما ذكره الرملي فليتأمل .

وقال ابن عباس : العرجون القديم أصل العذق العتيق ، قال الزجاج العرجون هو عود العذق الذي فيه الشماريخ ، وهو فعلون من الانعراج وهو الانعطاف ، أي سار في منازله حتى إذا كان في آخرها دق واستقوس وصغر حتى صار كالعرجون القديم ، وعلى هذا فالنون زائدة .

قال قتادة : هو العذق اليابس المنحني من النخلة ، قال ثعلب : العرجون الذي يبقى في النخلة إذا قطعت ، والقديم البالي . وقال الخليل العرجون أصل العذق ، وهو أصفر عريض يشبه به الهلال إذا انحنى ، وكذا قال الجوهري : إنه أصل العذق الذي يعوج ويقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسا ، وعرجنه ضربه بالعرجون وعلى هذا فالنون أصلية قرأ الجمهور : بضم العين والجيم وقرئ : بكسر العين وفتح الجيم وهما لغتان .


[1398]:لا صحة لما قاله الرملي. فقد ثبت بالدليل العلمي أن القمر واحد.