بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ} (39)

ثم قال عز وجل : { والقمر قدرناه مَنَازِلَ } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو { والقمر } بالضم وقرأ الباقون : بالنصب . فمن قرأ بالضم ، فله وجهان . أحدهما أن يكون على الابتداء ، والآخر معناه : { وَآية لَّهُمُ } القمر عطف على قوله : { وَآية لَّهُمُ الليل } ومن قرأ بالنصب ، فمعناه : وقدرنا القمر . وقال مقاتل في قوله : { والقمر قدرناه مَنَازِلَ } يعني : قدرناه منازل في السماء ، يبدو رقيقاً ، ثم يستوي ، ثم ينقص في آخر الشهر . وقال الكلبي : { قدرناه مَنَازِلَ } أي : قدرناه منازل بالليل ، ينزل كل ليلة في منزل ، ويصعد في منزل ، حتى ينتهي إلى مستقره الذي لا يجاوزه ، ثم يعود إلى أدنى منازله . ويقال : إن القمر يدور في منازله في شهر واحد ، مثل ما تدور الشمس في منازلها في سنة واحدة ، قال مقاتل وذلك أن القمر عرضه ثمانون فرسخاً مستديرة ، والشمس هكذا . وكان ضوؤهما واحداً ، فأخذ تسعة وتسعون جزءاً من القمر ، فألحقت بالشمس . وروي عن ابن عباس أنه قال : " القمر أربعون فرسخاً في أربعين فرسخاً ، والشمس ستون فرسخاً في ستين فرسخاً " . وقال بعضهم : القمر والشمس عرض كل واحد منهما مثل الدنيا كلها .

ثم قال تعالى : { حتى عَادَ كالعرجون القديم } يعني : صار كالعذق اليابس ، المنقرس ، الذي حال عليه الحول . ويقال : للقمر ثمانية وعشرون منزلاً ، فإذا صار في آخر منازله ، دقّ حتى يعود كالعذق اليابس . والعرجون إذا يبس ، دق واستقوس ، فشبه القمر به . يعني : صار في عين الناظر كالعرجون ، وإن كان هو في الحقيقة عظيم بنفسه ، إلا أنه في عين الناظر يراه دقيقاً .