مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ} (39)

قوله تعالى : { والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم }

قال الزمخشري : لا بد من تقدير لفظ يتم به معنى الكلام لأن القمر لم يجعل نفسه منازل فالمعنى أنا قدرنا سيره منازل وعلى ما ذكره يحتمل أن يقال المراد منه ، والقمر قدرناه ذا منازل لأن ذا الشيء قريب من الشيء ولهذا جاز قول القائل عيشة راضية لأن ذا الشيء كالقائم به الشيء فأتوا بلفظ الوصف .

وقوله : { حتى عاد كالعرجون القديم } أي رجع في الدقة إلى حالته التي كان عليها من قبل . والعرجون من الانعراج يقال لعود العذق عرجون ، والقديم المتقادم الزمان ، قيل إن ما غبر عليه سنة فهو قديم ، والصحيح أن هذه بعينها لا تشترط في جواز إطلاق القديم عليه وإنما تعتبر العادة ، حتى لا يقال لمدينة بنيت من سنة وسنتين إنها بناء قديم أو هي قديمة ويقال لبعض الأشياء إنه قديم ، وإن لم يكن له سنة ، ولهذا جاز أن يقال بيت قديم وبناء قديم ولم يجز أن يقال في العالم إنه قديم ، لأن القدم في البيت والبناء يثبت بحكم تقادم العهد ومرور السنين عليه ، وإطلاق القديم على العالم لا يعتاد إلا عند من يعتقد أنه لا أول له ولا سابق عليه .