تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

هذا خَبَر من الله تعالى بأن الزاني لا يَطأ إلا زانية أو مشركة . أي : لا يطاوعه على مراده من الزنى إلا زانية عاصية أو مشركة ، لا ترى حرمة ذلك ، وكذلك : { الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ } أي : عاص بزناه ، { أَوْ مُشْرِكٌ } لا يعتقد تحريمه .

قال سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي عَمَرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } قال : ليس هذا بالنكاح ، إنما هو الجماع ، لا يزني بها إلا زانٍ أو مشرك .

وهذا إسناد صحيح عنه ، وقد رُوي عنه من غير وجه أيضا . وقد رُوي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعُرْوَة بن الزبير ، والضحاك ، ومكحول ، ومُقَاتِل بن حَيَّان ، وغير واحد ، نحوُ ذلك .

وقوله تعالى : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أي : تعاطيه والتزويج بالبغايا ، أو تزويج العفائف بالفجار من الرجال .

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا قَيْس ، عن أبي حُصَين ، عن سعيد بن جُبَيْرٍ ، عن ابن عباس : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } قال : حَّرم الله الزنى على المؤمنين .

وقال قتادة ، ومقاتل بن حَيّان : حرم الله على المؤمنين نكاح البغايا ، وتَقَدّم في ذلك فقال : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }

وهذه الآية كقوله تعالى : { مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } [ النساء : 25 ] وقوله { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } الآية [ المائدة : 5 ] ومن هاهنا ذهب الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب ، فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح ، حتى يتوب توبة صحيحة ؛ لقوله تعالى : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }

وقال الإمام أحمد : حدثنا عارم{[20760]} ، حدثنا مُعْتَمِر بن سليمان قال : قال أبي : حدثنا الحضرمي ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عَمْرو ، رضي الله عنهما ، أن رجلا من المسلمين استأذنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها : " أم مهزول " كانت تسافح ، وتشترط له أن تنفق عليه - قال : فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو : ذكر له أمرها - قال : فقرأ عليه رسول{[20761]} الله صلى الله عليه وسلم : { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } {[20762]} .

وقال النسائي : أخبرنا عمرو بن علي ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحضرمي ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمرو قال : كانت امرأة يقال لها : " أم مهزول " وكانت تسافح ، فأراد رجل من أصحاب رسول{[20763]} الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها ، فأنزل الله عز وجل : { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } {[20764]} .

[ و ]{[20765]} قال الترمذي : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا روح بن عُبَادة بن عُبَيد الله بن الأخنس ، أخبرني عمرو بن شُعَيب عن أبيه ، عن جده قال : كان رجل يقال له " مَرْثَد بن أبي مرثد " وكان رجلا يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة . قال : وكانت امرأةٌ بَغي{[20766]} بمكة يقال لها " عَنَاق " ، وكانت صديقة له ، وأنه واعد{[20767]} رجلا من أسارى مكة يحمله . قال : فجئت حتى انتهيتُ إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة ، قال : فجاءت " عناق " فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط ، فلما انتهت إليّ عرفتني{[20768]} ، فقالت : مَرْثَد ؟ فقلت : مرثد فقالت : مرحبًا وأهلا هلم فبت عندنا الليلة . قال : فقلت{[20769]} يا عناق ، حرم الله الزنى . فقالت{[20770]} يا أهل الخيام ، هذا الرجل يحمل أسراكم . قال : فتبعني ثمانية ودخلت الحَندمة{[20771]} فانتهيت إلى غار - أو كهف فدخلت فيه{[20772]} فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا ، فظل بولهم على رأسي ، فأعماهم الله عني - قال : ثم رجعوا ، فرجعت إلى صاحبي فحملته ، وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر ، ففككت عنه أكبُله ، {[20773]} فجعلت أحمله ويعِينني ، حتى أتيت به{[20774]} المدينة ، فأتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أنكح عناقا ؟ أنكح عناقا ؟ - مرتين - فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يرد علي شيئا ، حتى نزلت { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا مرثد ، { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [ وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ] } {[20775]}

فلا تنكحها " ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

وقد رواه أبو داود والنسائي ، في كتاب النكاح من سننهما{[20776]} من حديث عبيد الله بن الأخنس ، به{[20777]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا مُسَدَّد أبو الحسن ، حدثنا عبد الوارث ، عن حبيب المعلم ، حدثني عمرو بن شعيب ، عن سعيد المَقْبُرِيّ ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله " .

وهكذا أخرجه أبو داود في سننه ، عن مسدد وأبي معمر - عبد الله بن عمرو - كلاهما ، عن عبد الوارث ، به{[20778]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن أخيه عمر بن محمد ، عن عبد الله بن يسار - مولى ابن عمر - قال : أشهد لسمعت سالما يقول : قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يدخلون الجنة ، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، والمرأة المترجلة - المتشبهة بالرجال - والديوث . وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، ومُدْمِن الخمر ، والمنَّان بما أعطى " .

ورواه النسائي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يزيد بن زُرَيع ، عن عُمَر بن محمد العُمَري ، عن عبد الله بن يسار ، به{[20779]} .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، حدثنا الوليد بن كثير ، عن قَطَن بن وهب ، عن عُوَيْمر بن الأجدع ، عمن حدثه ، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : حدثني عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر ، والعاق ، والدَّيُّوث الذي يقر في أهله الخبث " {[20780]} .

وقال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا شعبة ، حدثني رجل - من آل سهل بن حُنَيْف - ، عن محمد بن عَمَّار ، عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة دَيُّوث " {[20781]} .

يستشهد به لما قبله من الأحاديث .

وقال ابن ماجه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا سَلام بن سَوَّار ، حدثنا كَثِير بن سُلَيم ، عن الضحاك بن مُزَاحِم : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يقول ]{[20782]} " من أراد أن يلقى الله طاهرًا مُطَهَّرًا ، فليتزوج الحرائر " .

في إسناده ضعف{[20783]} .

قال الإمام أبو نصر إسماعيل بن حَمَّاد الجوهري في كتاب " الصحاح في اللغة : " الدَّيُّوث القُنذُع وهو الذي لا غَيرَةَ له{[20784]} .

فأما الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب " النكاح " من{[20785]} سننه : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن عُلَيَّة ، عن يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة وغيره ، عن هارون ابن رئاب ، عن عبد الله بن عُبَيد بن عمير - وعبد الكريم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس - عبدُ الكريم رفعه إلى ابن عباس ، وهارون لم يرفعه - قالا جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن عندي امرأة [ هي ]{[20786]} من أحبِّ الناس إلي{[20787]} وهي لا تمنع يد لامِس قال : " طلقها " . قال : لا صبر لي عنها قال : " استمتع بها " ، ثم قال النسائي : هذا الحديث غير ثابت ، وعبد الكريم ليس بالقوي ، وهارون أثبت منه ، وقد أرسل الحديث وهو ثقة ، وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم . {[20788]} .

قلت : وهو ابن أبي المخارق البصري المؤدب تابعي ضعيف الحديث ، وقد خالفه هارون بن رئاب ، وهو تابعي ثقة من رجال مسلم ، فحديثه المرسل أولى كما قال النسائي . لكن قد رواه النسائي في كتاب " الطلاق " ، عن إسحاق بن راهويه ، عن النضر بن شمَُيل{[20789]} عن حماد بن سلمة ، عن هارون بن رئاب ، عن عبد الله بن عُبَيد بن عمير ، عن ابن عباس مسندا ، فذكره بهذا الإسناد ، رجاله على شرط مسلم ، إلا أن النسائي بعد روايته له قال : " وهذا خطأ ، والصواب مرسل " {[20790]} ورواه غير النضر على الصواب .

وقد رواه النسائي أيضا وأبو داود ، عن الحسين بن حُرَيث ، أخبرنا الفضل بن موسى ، أخبرنا الحسين بن واقد ، عن عُمَارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . وهذا إسناد جيد{[20791]} .

وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مُضَعِّف له ، كما تقدَّم ، عن النسائي ، وكما قال الإمام أحمد : هو حديث منكر .

وقال ابن قتيبة : إنما أراد أنها سخية لا تمنع سائلا . وحكاه النسائي في سننه ، عن بعضهم فقال : وقيل : " سخية تعطي " ، ورُدّ هذا بأنه لو كان المراد لقال : لا تَرُدّ يد ملتمس .

وقيل : المراد أن سجيتها لا تَرُدّ يد لامس ، لا أن المراد أن هذا واقع منها ، وأنها تفعل الفاحشة ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأذن في مصاحبة من هذه صفتها . فإن زوجها - والحالة هذه - يكون دَيّوثا ، وقد تقدم الوعيد على ذلك . ولكن لما كانت سجيتها هكذا ليس فيها ممانعة ولا مخالفة لمن أرادها لو خلا بها أحد ، أمره رسولُ صلى الله عليه وسلم بفراقها . فلما ذكر أنه يحبها أباح له البقاء معها ؛ لأن محبته لها محققة ، ووقوع الفاحشة منها متوهم{[20792]} فلا يُصَار إلى الضرر العاجل لتوهم الآجل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

قالوا : فأما إذا حصلت توبة فإنه يحل التزويج ، كما قال الإمام أبو محمد بن أبي حاتم رحمه الله :

حدثنا أبو سعيد الأشَجّ ، حدثنا أبو خالد ، عن ابن أبي ذئب ، قال : سمعت [ شعبة ]{[20793]} -مولى ابن عباس ، رضي الله عنه - قال : سمعت ابن عباس وسأله رجل قال{[20794]} : إني كنت ألم بامرأة آتي منها ما حَرّم الله عز وجل عليّ ، فرزق الله عز وجل من ذلك توبة ، فأردت أن أتزوجها ، فقال أناس : إن الزاني لا ينكح إلا زانية . فقال ابن عباس : ليس هذا في هذا ، انكحها فما كان من إثم فعلي .

وقد ادعى طائفة آخرون من العلماء أن هذه الآية منسوخة ، قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد ابن المسيب . قال : ذُكر عنده { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } قال : كان يقال : نسختها [ الآية ]{[20795]} التي بعدها : { وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ } [ النور : 32 ] قال : كان يقال الأيامى من المسلمين .

وهكذا رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الناسخ والمنسوخ " له ، عن سعيد بن المسيب . ونص على ذلك أيضا الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، رحمه الله .


[20760]:- في ف ، أ : "عارم بن الفضل".
[20761]:- في ف ، أ : "نبي".
[20762]:- المسند (2/159).
[20763]:- في ف : "النبي".
[20764]:- النسائي في السنن الكبرى برقم (11359).
[20765]:- زيادة في ف ، أ.
[20766]:- في أ : "تغني".
[20767]:- في ف : "وعد"
[20768]:- في ف ، أ : "عرفت".
[20769]:- في ف : "قلت".
[20770]:- في ف : "قالت".
[20771]:- في ف ، أ : "الحديقة".
[20772]:- في أ : "به".
[20773]:- في أ : "أكليلة".
[20774]:- في ف : "قدمت".
[20775]:- زيادة من ف ، أ.
[20776]:- في ف : "سننيهما"
[20777]:- سنن الترمذي برقم (3177) وسنن أبي داود برقم (2051) وسنن النسائي (6/66).
[20778]:- سنن أبي داود برقم (2052).
[20779]:- المسند (2/134) وسنن النسائي (8/80).
[20780]:- المسند (2/69) وقال الهيثمي في المجمع (8/147) : "فيه راوٍ لم يسم".
[20781]:- مسند الطيالسي برقم (642).
[20782]:- زيادة من ف ، أ.
[20783]:- سنن ابن ماجه برقم (1862) ووجه ضعف إسناده ؛ لأن فيه كثير بن سليم ، وهو ضعيف ، وسلام هو ابن سليمان بن سوار المدائني ، قال ابن عدي : "عنده مناكير" وقال العقيلي : "في حديثه مناكير" قال ذلك البوصيري في مصباح الزجاجة (2/73).
[20784]:- الصحاح (1/282).
[20785]:- في ف ، أ : "في.
[20786]:- زيادة من ف ، أ ، والنسائي.
[20787]:- في ف : "لي".
[20788]:- سنن النسائي (6/67)
[20789]:- في ف ، أ : "إسماعيل".
[20790]:- سنن النسائي (6/170).
[20791]:- سنن النسائي (6/169).
[20792]:- في أ : "يتوهم".
[20793]:- زيادة من ف ، أ.
[20794]:- في أ : "فقال".
[20795]:- زيادة من ف ، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

{ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } إذ الغالب أن المائل إلى الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح والمسافحة لا يرغب فيها الصلحاء ، فإن المشاكلة علة للألفة والتضام ، والمخافة سبب للنفرة والافتراق . وكان حق المقابلة أن يقال والزانية لا تنكح إلا من هو زان أو مشرك . لكن المراد بيان أحوال الرجال في الرغبة فيهن . لأن الآية نزلت في ضعفة المهاجرين لما هموا أن يتزوجوا بغايا يكرين أنفسهن لينفقن لأن الآية عليهم من أكسابهن على عادة الجاهلية ولذلك قدم الزاني . { وحرم ذلك على المؤمنين } لأنه تشبه بالفساق وتعرض للتهمة وتسبب لسوء القالة والطعن في النسب وغير ذلك من المفاسد ، ولذلك عبر عن التنزيه بالتحريم مبالغة . وقيل النفي بمعنى النهي ، وقد قرىء به والحرمة على ظاهرها والحكم مخصوص بالسبب الذي ورد فيه ، أو منسوخ بقوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم } فإنه يتناول المسافحات ، ويؤيده أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن ذلك فقال : " أوله سفاح وآخره نكاح والحرام لا يحرم الحلال " ، وقيل المراد بالنكاح الوطء فيؤول إلى نهي الزاني عن الزنا إلا بزانية ، والزانية أن يزني بها إلا زان وهو فاسد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

في هذه الآية أربعة أوجه من التأويل : أحدها أن يكون مقصد الآية تشنيع وتبشيع أمره وأنه محرم على المؤمنين واتصال هذا المعنى بما قبل حسن بليغ ، ويريد بقوله { لا ينكح } أي لا يطأ فيكون النكاح بمعنى الجماع وردد القصة مبالغة وآخذاً من كلا الطرفين ، ثم زاد تقسيم المشرك والمشركة من حيث الشرك أعم في المعاصي من الزنا ، فالمعنى { الزاني } لا يطأ في وقت زناه { إلا زانية } من المسلمين أو من هي أخس منها من المشركات ، وقد روي عن ابن عباس وأصحابه أن النكاح في هذه الآية الوطء ، وأنكر ذلك الزجاج وقال لا يعرف النكاح في كتاب الله إلا بمعنى التزويج ، وليس كما قال ، وفي القرآن { حتى تنكح زوجاً غيره }{[8583]} [ البقرة : 230 ] وقد بينه النبي عليه السلام أنه بمعنى الوطء ، وذكر الطبري ما ينحو إلى هذا التأويل عن سعيد بن جبير وابن عباس وعكرمة ولكن غير ملخص ولا مكمل . والثاني أن تكون الآية نزلت في قوم مخصوصين وهذا قول روي معناه عن عبد الله بن عمر وعن ابن عباس وأصحابه قالوا وهم قوم كانوا يزنون في جاهليتهم ببغايا مشهورات ، فلما جاء الإسلام وأسلموا لم يمكنهم الزنا ، فأرادوا لفقرهم زواج أولئك النسوة إذ كان من عادتهن الإنفاق على من ارتسم بزواجهن فنزلت الآية بسببهن ، والإشارة ب { الزاني } إلى أحد أولئك حمل عليه اسم الزنى الذي كان في الجاهلية ، وقوله { لا ينكح } أي لا يتزوج ، وفي الآية على هذا التأويل معنى التفرغ عليهم وفي ذلك توبيخ كأنه يقول أي مصاب الزاني لا يريد أن يتزوج إلا زانية أو مشركة أي تنزع نفوسهم إلى هذه الخسائس لقلة انضباطهم ، ويرد على هذا التأويل الإجماع على أن { الزانية } لا يجوز أن يتزوجها مشرك ، ثم قوله { وحرم ذلك على المؤمنين } أي نكاح أولئك البغايا ، فيزعم أهل هذا التأويل أن نكاح أولئك البغايا حرمه الله على أمة محمد عليه السلام ومن أشهرهن عناق البغي وكان الذي هم بتزويجها يلقب دولدل{[8584]} كان يستخرج ضعفة المسلمين من مكة سراً ففطنت له ودعته إلى نفسها فأبى الزنى وأراد التزويج ، واستأذن في ذلك النبي عليه السلام ، فنزلت الآية ولما دعته وأبى قالت له : أي تبور والله لأفضحنك{[8585]} ، وذكر الطبري أن من البغايا المذكورات أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ، ويقال فيها أم مهزم وأم غليظ{[8586]} جارية صفوان بن أمية ، وحنة القبطية ، جارية العاصي بن وائل ، ومزنة{[8587]} جارية مالك بن عميلة بن سباق ، وخلالة{[8588]} جارية سهيل بن عمرو ، وأم سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي ، وشريفة{[8589]} جارية زمعة بن الأسود ، وفرسة جارية هشام بن ربيعة ، ومرثنا{[8590]} جارية هلال بن أنس ، وغيرهن ممن كانت لهن رايات تعرف منازلهن بها ، وكذلك كان بالمدينة إماء عبد الله بن أَبي وغيره مشهورات ، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال في سياق هذا التأويل كانت بيوت في الجاهلية تسمى المواخير ، كانوا يؤجرون فيها فتياتهم وكانت بيوتاً معلومة للزنى ، فحرم الله { ذلك على المؤمنين } ، ويحتمل أَن يكون هذا الكلام في التأويل الذي ذكرته قبل هذا ، وواحد المواخير ماخور ومنه قول بعض المحدثين :

في كل واد هبطن فيه دسكرة *** في كل نشز صعدن فيه ماخور{[8591]} .

والتأويل الثالث تأويل ذكره الزجاج وغيره عن الحسن وذلك أَنه قال المراد { الزاني } المحدود { والزانية } المحدودة{[8592]} قال وهذا حكم من الله فلا يجوز لزان محدود أَن يتزوج إلا زانية محدودة ، وروي أن محدوداً تزوج غير محدودة فرد علي بن أبي طالب نكاحهما ، وقوله { حرم ذلك } يريد الزنى ، وحكى الزهراوي في هذا حديثاً من طريق أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله » وهذا حديث لا يصح ، وقول فيه نظر ، وإدخال «المشرك » في الآية يرده ، وألفاظ الآية تأباه وإن قدرت المشركة بمعنى الكتابية فلا حيلة في لفظ المشرك ، ورابع قول روي عن سعيد بن المسيب وذلك أنه قال : هذا حكم كان في الزنى عامة أن لا يتزوج زان إلا زانية جاءت الرخصة ونسخ ذلك بقوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم }{[8593]} [ النور : 32 ] وروي ترتيب هذا النسخ أيضاً عن مجاهد ، إلا أنه قال أن التحريم إنما كان في أولئك النفر خاصة لا في الزناة عامة ، ذكر ذلك عنهما أبو عبيدة في ناسخه وذكر عن مجاهد أنه قال : حرم نكاح أولئك البغايا على أولئك النفر .

قال الفقيه الإمام القاضي : وذكر الاشتراك في الآية يضعف هذه المناحي ، وقرأ أبو البرهسم «وحرم الله ذلك على المؤمنين »{[8594]} ، واختلف فيمن زنا بامرأة ثم أراد نكاحها فأجاز ذلك أبو بكر الصديق وابن عمر وجابر بن عبد الله وطاوس وابن الحسيب وجابر بن زيد وعطاء والحسن وعكرمة وابن عباس ومالك والثوري والشافعي{[8595]} ومنعه ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة وقالوا : لا يزالان زانيين ما اجتمعا .


[8583]:من الآية (230) من سورة (البقرة).
[8584]:اسمه مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلا قويا شديدا. وكان يساعد الضعفاء من المسلمين على الخروج من مكة سرا.
[8585]:كان يحمل رجلا من أسارى مكة، قال: فجئت به حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، فعرفته عناق ودعته فأبى، فقالت له: أنى تستطيع البروز بمن معك؟ والله لأفضحنك، ثم نادت: يا أهل الخيام، هذا رجل يحمل أسراكم، فتبعه القوم، قال: فاختبأت منهم في كهف...الخ القصة، وتجدها في الدر المنثور في خبر رواه جمع كبير منهم ابن جرير، والبيهقي وعبد بن حميد وغيرهم.
[8586]:في الطبري: أم (عليط) بالعين، وهي في جميع الأصول هنا بالغين المعجمة.
[8587]:هكذا في الأصول، وفي الطبري: "مرية".
[8588]:في الطبري "حلالة"
[8589]:في الطبري "سريفة" بالسين.
[8590]:في الطبري "قريبا"، وقد رجعنا إلى الطبري لأن ابن عطية نقل الكلام عنه.
[8591]:الدسكرة: القرية العظيمة، والجمع دساكر، والنشز: ما ارتفع وظهر من الأرض، والجمع نشوز ونشاز. والماخور: بيت الريبة، وفي حديث زياد حين قدم البصرة أميرا عليها: ما هذه المواخير؟ الشراب عليه حرام حتى تسوى بالأرض هدما وإحراقا، قال في اللسان: "هي مجلس الريبة، ومجمع أهل الفسق والفساد، وبيوت الخمارين".
[8592]:يريد: الذي أقيم عليه الحد بالجلد والتغريب.
[8593]:من الآية (32) من هذه السورة (النور).
[8594]:في البحر المحيط: "وقرأ أبو البرهثيم [وحرم] مبنيا للفاعل، أي الله"، ومعنى ذلك أن القارئ لم يذكر لفظ في الآية.
[8595]:أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، من طريق سعيد مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت مع ابن عباس فأتاه رجل فقال: إني كنت أتبع امرأة فأصبت منها ما حرم الله علي، وقد رزقني الله منها توبة فأردت أن أتزوجها فقال الناس: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة}، فقال ابن عباس: ليس هذا موضع هذه الآية، إنما كن نساء بغايا متعالنات، يجعلن على أبوابهن رايات، يأتيهن الناس يعرفن بذلك، فأنزل الله هذه الآية. تزوجها فما كان فيها من إثم فعلي.