غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

1

ثم ذكر شيئاً من خواص الزناة فقال : { الزاني لا ينكح } وهو خبر في معنى النهي كقراءة عمرو بن عبد { لا ينكح } بالجزم . ويجوز أن يكون خبراً محضاً على معنى أن عادتهم جارية بذلك . وفي الآية أسئلة : الأول : كيف قدمت الزانية على الزاني في الآية المتقدمة وعكس الترتيب في هذه ؟ والجواب أن تلك الآية مسبوقة لبيان عقوبتهما على جنياتهما وكانت المرأة أصلاً فيها لأنها هي التي أطمعت الرجل في ذلك . وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل هو الأصل في الرغبة والخطبة . والثاني : ما الفرق بين الجملتين في الآية ؟ والجواب معنى الأولى صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف ولكن في الفواجر ، ومعنى الثانية صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفاء ، ولكن للزناة وهما معنيان مختلفان لأنه لا يلزم عقلاً من كون الزاني كذلك أن يكون حال الزانية منحصرة في ذلك فأخبره الله تعالى بالجملة الثانية عن هذا الانحصار . الثالث أنا نرى الزاني قد ينكح المؤمنة العفيفة والزانية قد ينكحها المؤمن العفيف ، وأيضا المؤمن قد يحل له التزوج بالمرأة الزانية . الجواب للمفسرين فيه وجوه . أحدها وهو الأحسن قول القفال : إن اللفظ وإن كان عاماً إلا أن المراد منه الأعم الأغلب ، وذلك أن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا والتقحب لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء وإنما يرغب في فاسقة خبيثة من شكله أو في مشركة ، والفاسقة الخبيثة المسافحة لا يرغب في نكاحها الصلحاء في الأغلب وإنما يرغب فيها أشكالها من الفسقة أو المشركين نظير هذا الكلام قول القائل " لا يفعل الخير إلا الرجل التقي " . وقد يفعل بعض الخير من ليس بتقي . وأما المحرم على المؤمنين فصرف الرغبة بالكلية إلى الزواني وترك الرغبة في الصالحات لانخراطهم بسبب هذا الحصر في سلك الفسقة المتسمين بالزنا . الوجه الثاني أن الألف واللام في قوله { الزاني } وفي قوله { المؤمنين } للعهد . روى مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة أنه قدم المهاجرون المدينة وليست لهم أموال ولا عشائر وبها نساء يكرين أنفسهن وهن يومئذ أخصب أهل المدينة ولكل واحدة منهن علامة على بابها لتعرف بها وكان لا يدخل عليها إلا زانٍ أو مشرك ، فرغب فيهن ناس من فقراء المسلمين وقالوا : نتزوج بهن إلى أن يغنينا الله عنهن . فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية . والتقدير : أولئك الزواني لا ينكحون إلا تلك الزانيات ، وتلك الزانيات لا ينكحها إلا أولئك الزواني ، وحرم نكاحهن بأعيانهن على المؤمنين . الوجه الثالث أن هذا خبر في معنى النهي كما مر . وهكذا كان الحكم في ابتداء الإسلام . ثم قيل : إن ذلك الحكم باقٍ إلى الآن حتى يحرم على الزاني والزانية التزويج بالعفيفة والعفيف وبالعكس . ويقال : هذا مذهب أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وعائشة . ثم في هؤلاء من يسوّي بين الابتداء والدوام فيقول : كما لا يحل للمؤمن أن يتزوج بالزانية فكذلك إذا زنت تحته لا يحل له أن يقيم عليها . ومنهم من يفصل لأن في جملة ما منع من التزوج ما لا يمنع من دوام النكاح كالإحرام والعدة . وقيل : إنه صار منسوخاً إما بالإجماع - وهو قول سعيد بن المسيب - وزيف بأن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به ، وإما بعموم قوله

{ وأنكحوا الأيامى } [ النور : 32 ] { فانكحوا ما طاب لكم } [ النساء : 3 ] وهو قول الجبائي . وضعف بأن ذلك العام مشروط بعدم الموانع السببية والنسبية وليكن هذا المانع أيضاً من جملتها . وسئل ابن عباس عن ذلك فأجازه وشبه بمن سرق ثمر شجرة ثم اشتراه . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك فقال : " أوّله سفاح وآخره نكاح والحرام لا يحرم الحلال " . الوجه الرابع قول أبي مسلم : إن النكاح محمول على الوطء وذلك إشارة إلى الزنا أي وحرم الزنا على المؤمنين . قال الزجاج : هذا التأويل فاسد من جهة أن النكاح في كتاب الله لم يرد إلا بمعنى التزويج ، ومن جهة أن يخرج الكلام عن الفائدة إذ لا معنى لقول القائل " الزاني لا يطأ إلا الزانية " حتى يكون وطؤه زناً ، ولو أريد حين التزوج فالإشكال عائد لأن الزاني قد يطأ العفيفة حين يتزوج بها .

/خ10