الحكم الثاني قوله تعالى : { الزاني لا ينكح } أي : لا يتزوج { إلا زانية أو مشركة } أي : المعلوم اتصافه بالزنا مقصور نكاحه على زانية أو مشركة { والزانية لا ينكحها } أي : لا يتزوجها { إلا زانٍ أو مشرك } ، أي : والمعلوم اتصافها بالزنا مقصور نكاحها على زانٍ أو مشرك إذ الغالب أن المائل إلى الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح والمسافحة لا يرغب فيها الصلحاء ، فإن المشاكلة علة الألفة والانضمام والمخالفة سبب النفرة والافتراق ، وقال بعضهم : الجنسية علة الضم والمشاكلة سبب المواصلة ، والمخالفة توجب المباعدة وتحرم المؤالفة ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل » ، وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه خطب أهل الكوفة بعد ثلاثة أيام من مقدمه عليهم ، فقال : يا أهل الكوفة قد علمنا شراركم من خياركم ، فقالوا : كيف وما لك إلا ثلاثة أيام ؟ فقال : كان معنا شرار وخيار فانضم خيارنا إلى خياركم وشرارنا إلى شراركم ، وعن الشعبي أنه قال : إنّ لله ملكاً موكلاً بجمع الأشكال بعضها إلى بعض ، وقال القائل :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
فإن قيل : لما قدمت الزانية على الزاني أولاً ، ثم قدم عليها ثانياً ؟ أجيب : بأن تلك الآية سيقت لعقوبتهما على ما جنيا والمرأة هي المادة التي منها نشأت الجناية ؛ لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تمكنه لم يطمع ولم يتمكن فلما كانت أصلاً وأوّلاً في ذلك بدئ بذكرها ، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه الراغب فيه والخاطب ، ومنه يبدو الطلب { وحرم ذلك } أي : نكاح الزاني والزانية تحريماً لا مشوبة فيه { على المؤمنين } واختلف العلماء في معنى الآية وحكمها ، فقال قوم منهم مجاهد وعطاء وقتادة والزهري والشعبي ، ورواية عن ابن عباس قدم المهاجرون لمدينة وفيهم فقراء لا مال لهم ولا عشائر ، وبالمدينة نساء بغاياهنّ يومئذٍ أخصب أهل المدينة ، فرغب ناس من فقراء المسلمين في نكاحهنّ لينفقن عليهم فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فنزلت هذه الآية ، وحرم ذلك على المؤمنين أن يتزوّجوا تلك البغايا لأنهن كنّ مشركات ، وقال عكرمة : نزلت في نساء كن بمكة وبالمدينة لهن رايات يعرفن بهن منهن : أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ، وكان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مأكلة فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الصفة فاستأذن رجل منهم النبي صلى الله عليه وسلم في نكاح أم مهزول فاشترطت أن تنفق عليه فنزلت هذه الآية ، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : «كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي وكان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة ، وكانت بمكة بغيّ يقال لها عناق ، وكانت صديقة له في الجاهلية ، فلما أتى مكة دعته عناق إلى نفسها ، فقال مرثد : إن الله حرم الزنا ، فقالت : فانكحني ، فقال : حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أنكح عناقاً ، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليّ شيئاً ، فنزل : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ، والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك } ، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأها عليّ وقال : لا تنكحها » أخرجه الترمذي والنسائي وأبو داوود بألفاظ متقاربة المعنى .
فعلى قول هؤلاء كان التحريم خاصاً في حق أولئك دون سائر الناس ، وقال قوم منهم سعيد بن جبير والضحاك ، ورواية عن ابن عباس : المراد من النكاح هو الجماع ، ومعنى الآية : الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا تزني إلا بزانٍ أو مشرك ، وقال يزيد بن هارون : إن جامعها وهو مستحل فهو مشرك وإن جامعها وهو محرم فهو زان ، وعن عائشة رضي الله عنها : إن الرجل إذا زنا بامرأة ليس له أن يتزوجها لهذه الآية ، وإذا باشرها كان زانياً . وكان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية ويقول : إذا تزوج الزاني الزانية فهما زانيان أبداً . وقال الحسن : الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة ، والزانية المجلودة لا ينكحها إلا زان مجلود . وقال سعيد بن المسيب وجماعة منهم الشافعي رحمه الله تعالى : إن حكم الآية منسوخ ، وكان نكاح الزانية حراماً بهذه الآية فنسخها الله تعالى بقوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم } [ النور ، 32 ] ، وهو جمع أيم وهي من لا زوج لها ، فدخلت الزانية في أيامى المسلمين واحتج من جوّز نكاح الزانية بما روي عن جابر «أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن امرأتي لا تمنع يد لامس ، قال : طلقها ، قال فإني أحبها وهي جميلة ، قال : استمتع بها ، وفي رواية غيره «أمسكها إذاً » وقد أجازه ابن عباس وشبهه بمن سرق ثمر شجرة ثم اشتراه ، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك فقال : «أوله سفاح وآخره نكاح » ، وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه ضرب رجلاً وامرأة زنيا ، وحرض أن يجمع بينهما فأبى الغلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.