التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 3 } .

( 1 ) لا ينكح : لا يتزوج ، وقد ورد هذا التعبير بهذا المعنى في آيات كثيرة مثل آية سورة البقرة ( 221 ) وآية سورة النساء ( 22 ) وآية سورة الأحزاب ( 49 ) بل ولم ترد في القرآن بغير معنى الزواج .

تعليق على الآية

{ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 3 } .

روى المفسرون{[1476]} أن الآية نزلت في صدد الإجابة على استئذان بعض المسلمين النبي صلى الله عليه وسلم في التزوج بنسوة كن معروفات بالزنا من أهل الشرك وكن أصحاب رايات يكرين أنفسهن في مكة وفي المدينة . ومنهن من كن يتعهدن بالإنفاق على من يتزوجهن . وذكروا بعض الأسماء . منها امرأة اسمها أم مهزول ، ولم يذكروا اسم من أراد أن ينكحها . ومنها رجل اسمه مرثد كان له صديقة في الجاهلية اسمها عناق . وقصة مرثد وعناق رواها الترمذي عن مرثد نفسه قال ( كانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق ، وكانت صديقة لي ، فقابلتني بمكة ليلة فقالت : هلم فبت عندنا الليلة فقلت : يا عناق حرم الله الزنا ، فلما قدمت المدينة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أنكح عناقا ؟ فأمسك ولم يرد علي شيئا حتى نزلت { { الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }فقال رسول الله : يا مرثد لا تنكحها ) {[1477]} .

وقد روى الطبري الروايتين مع الأسماء ، وروى أن الآية نزلت إجابة على سؤال السائلين .

والمتبادر أن الآية من السياق السابق وبمثابة تعقيب على الآية التي قبلها . وبسبيل التشديد في كراهية جريمة الزنا ومقترفيها . وإن كان هذا لا يمنع أن يكون بعض المسلمين استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في التزوج من بعض من عرفن بالبغاء في الجاهلية فمنعوا من ذلك بهذه الآية . وحديث الترمذي يفيد أن الآية لم تنزل جوابا على استئذان مرثد .

ومع ما يبدو في الآية من صراحة بتحريم نكاح الزانية وإنكاح الزاني على المؤمنين فقد تعددت أقوال المفسرين ورواياتهم في مدى حكمها ) {[1478]} فمن ذلك أن التحريم منصب على الزنا من قبيل تشنيعه ومن باب { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات } ( النور : 26 ) وبسبيل تقرير كون الزنا لا يمكن أن يقع إلا بين زان وزانية إن كانا مسلمين أو بين زانية ومشرك أو زان ومشركة . ومنها قول معزو إلى عائشة ، وهو أن الرجل إذا زنى بامرأة ليس له أن يتزوجها لهذه الآية . ومنها قول لابن مسعود أنه كان يحرم نكاح الزانية ويقول : إذا نكح الزاني الزانية أي تزوجها فهما زانيان أبدا . ومنها قول معزو إلى ابن عباس أنه كان يجيز التزوج بالزانية وتزويج الزاني . وقد أورد الزمخشري حديثا نبويا مؤيدا لهذا القول لم يرد في كتب الصحاح جاء فيه ( أن النبي سئل عن ذلك فقال : أوله سفاح وآخره نكاح والحرام لا يحرم الحلال ) ومنها قول معزو إلى سعيد ابن المسيب مفاده : أن الآية منسوخة بآية أخرى في سورة النور وهي { وانكحوا الأيامى منكم } ( 122 ) والبغايا من أيامى المسلمين . والنفس تطمئن بالقول الأول في صدد تأويل الآية ومفهومها العام . ووجاهة القول المعزو إلى ابن عباس ظاهرة ، ولا سيما إذا صح الحديث الذي يورده الزمخشري والذي لا يتناقض مع التقريرات القرآنية العامة . فقد يتوب الزاني والزانية المسلمان ويصلحان . فلا يصح أن يحول ما حدث منهما قبل التوبة دون زواجهما زواجا شرعيا كما هو المتبادر . والتوبة الصادقة التي تفتح باب عفو الله ورحمته للكافر والمنافق والمحارب لله ورسوله والمفسد في الأرض والقاتل العمد على ما شرحناه في تعليقنا على موضوع التوبة في سورة البروج ونبهنا عليه في المناسبات العديدة السابقة تفتح بدون ريب هذا الباب أمام الزاني والزانية بدورهما . وهناك أحداث وأحاديث مؤيدة لذلك . فقد روى الطبري عن الحسن ( أن عمر بن الخطاب قال لقد هممت أن لا أدع أحدا أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة فقال له أبي ابن كعب : يا أمير المؤمنين الشرك أعظم من ذلك وقد يقبل الله التوبة من المشرك إذا تاب ) وروى المفسر نفسه عن ثابت ابن عامر قال ( إن رجلا من أهل اليمن أصابت ابنة أخيه فاحشة فأمرت الشفرة على أوداجها فأدركت وعولج جرحها حتى برئت ، ثم إن عمها انتقل بأهله حتى قدم المدينة فقرأت القرآن ونسكت حتى كانت من أنسك نسائهم فخطبت إلى عمها وكان يكره أن يدلسها ويكره أن يغشى على ابنة أخيه ، فأتى عمر فذكر ذلك له فقال له : لو أغشيت عليها لعاقبتك ، وإذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوجها إياه ) وروى المفسر أيضا عن طارق ابن شهاب ( أن رجلا أراد أن يزوج أخته فقالت : إني أخشى أن أفضح أي فقد بغيت فأتى عمر فقال : أليس قد تابت ، قال : بلى قال : فزوجها ) وفي الطبري أحداث وأحاديث أخرى من هذا الباب لم نر حاجة إلى إيرادها اكتفاء بما تقدم . وإذا كانت هذه الأحداث والأحاديث ذكرت حالات نساء زنين فتبن فشجع عمر على تزويجهن فإن ذلك ينطبق بطبيعة الحال على الرجال إذا زنوا ثم تابوا .

ومع ذلك كله فإننا نقول : إن الآية على أخف التأويلات انطوت على كراهية شديدة للتزوج بالزانية وتزويج الزاني وتشنيع على ذلك ، وإن هذا ينبغي أن يكون واردا ولا سيما إذا كان أمر الزاني أو الزانية مشهورا . وإنه يحسن أن يلاحظ ذلك ، ويؤخذ بالتلقين السامي القرآني ما أمكن لمنع تسهيل الغواية ولتأديب الغاوين معا إلا إذا كان في الحادث إنقاذ لرجل أو امرأة وحصل التأكد من توبتهما : أما القول إن الآية منسوخة بآية { وانكحوا الأيامى منكم } ( النور : 32 ) فلا نرى مناسبة له في هذا المقام وإن كان يصح أن يقال : إن حكم هذه الآية يشمل كل أعزب وعزباء ومن جملتهم من كان اقترف جريمة الزنا ثم تاب وأصلح والله تعالى أعلم .


[1476]:انظر الطبري والطبرسي والبغوي وابن كثير والخازن.
[1477]:التاج ج 4 ص 164
[1478]:انظر تفسير الطبري والزمخشري والبغوي والخازن وابن كثير.