تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

الآية 3 : ( وقوله تعالى ){[13650]} : ]الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك[ في ظاهر الآية ألا يحل للزاني أن ينكح إلا الزانية من المؤمنات ( أو المشركة ، وكذلك الزانية من المؤمنات ){[13651]} لا ينكحها العفيف من المؤمنين ، وإنما ينكحها الزاني{[13652]} منهم والمشرك .

وفي ظاهر الآية النهي عن نكاح العفائف وإباحة نكاح الزانيات أو المشركات . فإن كان ذلك ، فكان قوله : ]ولا تنكحوا المشركات[ ( البقرة : 221 ) إلا الزناة منكم ، فإنه يحل لهم أن ينكحوا المشركات . وكذلك قوله : ]ولا تنكحوا المشركين[ ( البقرة : 221 ) إلا الزانيات فإنه يحل .

هذا ظاهر ، لكنهم اجمعوا على ألا يحل للمؤمن ، وإن كان زانيا أن ينكح المشركة ، وكذلك لا يحل للمشركة أن تتزوج بالزاني من أهل الإيمان .

ثم اختلف أهل التأويل في تأويله : قال مقاتل ومحمد بن إسحاق : وهؤلاء : الزاني من أهل الكتاب لا ينكح ، أي لا يتزوج إلا زانية من أهل الكتاب ( أو لا ينكح إلا مشركة من ){[13653]} غير أهل الكتاب ، والزانية من أهل الكتاب لا ينكحها إلا زان من أهل الكتاب أو مشرك من غير أهل الكتاب ، والزانية من أهل الكتاب لا ينكحها إلا زان من أهل الكتاب أو مشرك من غير أهل الكتاب ؛ يزنون{[13654]} علانية .

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه{[13655]} قال : نزلت الآية في نفر من أهل مكة هاجروا إلى المدينة وكانوا ذوي عسرة ، وكان بالمدينة بغايا يبغين بأنفسهن ظاهرات بالفجور ، وكن مخصبات أو مخاصيب البيوت ، فهم أولئك المهاجرون أن يتزوجوا بأولئك البغايا ليصيبوا من خصبهن وسعتهن ، فذكروا ذلك لرسول الله ، واستأذنوه في ذلك ، فنزلت الآية في شأنهم : الزاني من أهل القبلة المعلن به لا ينكح إلا زانية من اليهود أو مشركة ، وحرم ذلك على المؤمنين .

لكن هذا ، يصلح{[13656]} لو كان أولئك المهاجرون مثلهن زناة . فأما أن كانوا مهاجرين أهل الإيمان والعفة ، فلا يصلح أن يقال فيهم : ]الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة[ وهم لم يكونوا زناة إلا أن يقال على الابتداء : إنه لا يفعل ذلك .

وقال بعضهم : قوله : ]الزاني لا ينكح[ أي لا يجامع ، ولا يزني ]إلا زانية[ إلا بزانية مثله . وكذلك الزانية لا تزني إلا بزان مثلها أو مشرك ، لا يحرم الزنى ، وهو قول الضحاك{[13657]} .

وقال سعيد بن المسيب : نسخت هذه الآية : ]وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم[ ( النور : 32 ) قوله : ]الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة[ الآية .

وسئل ابن مسعود رضي الله عنه عن رجل ، يزني بالمرأة ، ثم يتزوجها . قال : هما زانيان ما اصطحبا .

وجائز أن يكون النهي عن نكاح الزانية والزاني نهيا عن الزنى نفسه لا عن نكاح ؛ كأنه قال : لا تزنوا فإنكم إذا زنيتم ، وصرتم معروفين به ، لا تجدون أن تنكحوا إلا زانية أو مشركة{[13658]} ، لا تحرم الزنى ، لأن العفائف منهن ، لا يرغبن ( في نكاح من صار يعلن الزنى ، فإذا لم يرغبن ){[13659]} لم يجدوا إلا من ذكر ، وهو ما قال : ]لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى[ ( النساء : 43 ) ليس النهي عن قربان الصلاة ، ولكن النهي عن السكر وشرب المسكر .

وكذلك ما روي أنه قال : " لا صلاة للمرأة الناشزة ولا للعبد الآبق " ( بنحوه مسلم : 70 ليس فيه ذكر المرأة ) إنما النهي عن نشوزها وعن إباقته{[13660]} ، ليس عن الصلاة .

فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : ]الزاني لا ينكح إلا الزانية أو مشركة والزانية لا تنكح إلا زان أو مشرك[ إنما هو{[13661]} نهي عن الزنى ، أي لا تزنوا لترغب العفائف من المؤمنات فيكم ، ولا تزن النساء ليرغب أهل العفائف من المؤمنين فيهن{[13662]} فإنكم إذا زنيتم ، وصرتم معروفين به معلنين ، لا تجدوا إلا نكاح من ذكر من الزانية أو المشركة ، أو أن يكون ما ذكرنا : لا يرغب الزاني إلا في نكاح زانية أو مشركة{[13663]} ، لا تحرم الزنى ، وكذلك الزانية لا ترغب إلا بزان مثلها أو مشرك{[13664]} ، لا يحرم الزنى .

( وقوله تعالى ){[13665]} ]وحرم ذلك على المؤمنين[ وحرم الزنى على المؤمنين .

أو إن كان على النكاح فيكون تأويل قوله : ]وحرم[ أي منع عن ذلك المؤمنون ؛ أعني نكاح الزانيات والزناة .

قال أبو عوسجة : ]الزانية والزاني[ يقال منه : زنى يزني زنى ( وزناء ، وَزَنأ ){[13666]} يزنأ زنوءا ، أي ارتقى يرتقي ، ويقال الزناء الضيق ، ويقال : زَنَنْتُهُ أَزُنُّهُ زَنًّا ، أي ظننت به ظنا . والقذف التهمة ، والرمي أشد من القذف .

ومن جعل الآية في الزانين المسلمين ، وجعل قوله : ]لا ينكح إلا زانية أو مشركة[ على التزويج لزمه أن يجيز للزانية المسلمة أن تتزوج الزاني المسلم والمشرك على ما ذكرنا بدءا ، وهذا لا يقوله أحد . وفي بطلان هذا القول بيان أن الآية ، إن كان المراد بها عقد النكاح ، فإنها نزلت في الزانية المشركة ، يريد المسلم أن يتزوجها كما ذكر في حديث مرثد{[13667]} . وإن كان المراد به بذكر النكاح منها الوطء ، فهو كان قال ابن عباس في إحدى الروايتين عنه : إنه الجماع ، ليست تحتمل الآية غير هذين الحالين ، والله أعلم بما أراد .

وقد زعم قوم أن المرأة إذا زنت حرمت على زوجها ، فكأنهم ذهبوا إلى أنه لما لم يحل أن يطأها لأنها إذا كانت زانية لم يحل المقام عليها إذا زنت ، وهي زوجة .

لكن التأويل في الآية على خلاف ما توهم أولئك بما وصفنا ، فلا وجه لتحريمهم الزانية على زوجها . ولو كان التأويل على ما توهموه لوجب{[13668]} أن تحرم الزانية على زوجها من حين{[13669]} أن كان ممنوعا من تزوجها . {[13670]}

ألا ترى أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج امرأة في عدة من غيره ؟ ولو أن رجلا وطىء امرأة رجل بشبهة ( في ما وجب ){[13671]} عليها من عدة ، لم تحرم على زوجها . ألا ترى أن العدة إذا كانت على النكاح ، تخالفه في العدة ؟

واحتجوا أيضا بأن الرجل إذا قذف امرأته لُعن ( وفرق بينهما ){[13672]} لكن الوجه فيه ما ذكرنا ، والله أعلم .


[13650]:ساقطة من الأصل وم.
[13651]:من م، ساقطة من الأصل.
[13652]:في الأصل وم: الزانية.
[13653]:في الأصل وم: أي لا ينكح أو مشركة.
[13654]:في الأصل وم: يزنين.
[13655]:في الأصل وم: يزنين.
[13656]:أدرج بعدها في الأصل وم: أن.
[13657]:أدرج بعدها في الأصل وم: وهؤلاء.
[13658]:أدرج بعدها في الأصل وم: التي.
[13659]:من م، ساقطة من الأصل.
[13660]:في الأصل وم: إباقة.
[13661]:ساقطة من الأصل وم.
[13662]:ساقطة من الأصل وم.
[13663]:أدرج بعدها في الأصل وم: التي.
[13664]:أدرج بعدها في الأصل وم: الذي.
[13665]:ساقطة من الأصل وم.
[13666]:في الأصل وم: وإما زناء.
[13667]:انظر أبو داود 2051.
[13668]:في الأصل وم: فوجب.
[13669]:في الأصل وم: حيث.
[13670]:في الأصل وم: تزويجها.
[13671]:في الأصل وم: فوجب.
[13672]:من م، في الأصل: بينهما وفرق.