بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

قوله عز وجل : { الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } . روي عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : أن رجلاً يقال له مرثد بن أبي مرثد ، قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أأنكح عناقاً ، يعني : امرأة بغيَّة كانت بمكة ؟ قال : فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزلت هذه الآية { الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } ، { أَوْ مُشْرِكَةً } ، فقال : « يا مَرْثَدُ لا تَنْكِحْهَا » وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ليس هو على النكاح ، ولكنه الجماع ؛ ويقال : إن أصحاب الصفة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يتزوجوا الزواني ، وكانت لهن رايات كعلامة البيطار ليُعرف أنها زانية ، وقالوا : لنا في تزويجهن مراد ، فأذن لنا فإنهن أخصب أهل المدينة وأكثرهم خيراً ؛ والمدينة غالية السعر ، وقد أصابنا الجهد . فإذا جاءنا الله تعالى بالخير ، طلقناهن وتزوجنا المسلمات ، فنزلت الآية { الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } .

وقال سعيد بن جبير ، والضحاك : { الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } أي لا يزني حين يزني إلا بزانية مثله في الزنى ، والزانية لا تزني إلا بزان مثلها في الزنى . { والزانية لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذلك عَلَى المؤمنين } ، يعني : الزنى ؛ وقال الحسن البصري : الزاني المجلود بالزنى ، { لا ينكح إلا زانية } مجلودة مثله في الزنى . وروي عن علي بن أبي طالب : أن مجلوداً تزوج امرأة غير مجلودة ، ففرق بينهما ؛ ويقال : أراد به النكاح ، لا ينكح ، يعني : لا يتزوج . وكان التزويج حراماً بهذه الآية ، ثم نسخ بما روي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن امرأتي لا ترد يد لامس ، فقال : طَلِّقْهَا . قال : إني أحبها ، فقال : أَمْسِكْهَا . وقال سعيد بن المسيب : { الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } . كانوا يرون الآية التي بعدها نسختها { وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ النور : 32 ] الآية .