فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

ثم ذكر سبحانه شيئاً يختص بالزاني ، والزانية ، فقال { الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } .

قد اختلف أهل العلم في معنى هذه الآية على أقوال : الأوّل : أن المقصود منها تشنيع الزنا ، وتشنيع أهله ، وأنه محرّم على المؤمنين ، ويكون معنى الزاني لا ينكح : الوطء لا العقد أي : الزاني لا يزني إلاّ بزانية ، والزانية لا تزني إلاّ بزانٍ ، وزاد ذكر المشركة والمشرك لكون الشرك أعمّ في المعاصي من الزنا . وردّ هذا الزجاج وقال : لا يعرف النكاح في كتاب الله إلاّ بمعنى التزويج ، ويردّ هذا الردّ بأن النكاح بمعنى الوطء ثابت في كتاب الله سبحانه ، ومنه قوله : { حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } [ البقرة : 230 ] فقد بينه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بأن المراد به : الوطء ، ومن جملة القائلين بأن معنى الزاني لا ينكح إلاّ زانية : الزاني لا يزني إلا بزانية سعيد بن جبير ، وابن عباس ، وعكرمة ، كما حكاه ابن جرير عنهم ، وحكاه الخطابي عن ابن عباس . القول الثاني : أن الآية هذه نزلت في امرأة خاصة كما سيأتي بيانه فتكون خاصة بها كما قاله الخطابي . القول الثالث : أنها نزلت في رجل من المسلمين ، فتكون خاصة به قاله مجاهد . الرابع : أنها نزلت في أهل الصفة ، فتكون خاصة بهم قاله أبو صالح . الخامس : أن المراد بالزاني والزانية : المحدودان حكاه الزجاج ، وغيره عن الحسن قال : وهذا حكم من الله ، فلا يجوز لزان محدود أن يتزوّج إلاّ محدودة . وروي نحوه عن إبراهيم النخعي ، وبه قال بعض أصحاب الشافعي . قال ابن العربي : وهذا معنى لا يصح نظراً كما لم يثبت نقلاً . السادس : أن الآية هذه منسوخة بقوله سبحانه : { وَأَنْكِحُواْ الأيامى مّنكُمْ } قال النحاس : وهذا القول عليه أكثر العلماء . القول السابع : أن هذا الحكم مؤسس على الغالب ، والمعنى : أن غالب الزناة لا يرغب إلاّ في الزواج بزانية مثله ، وغالب الزواني لا يرغبن إلاّ في الزواج بزانٍ مثلهن ، والمقصود زجر المؤمنين عن نكاح الزواني بعد زجرهم عن الزنا ، وهذا أرجح الأقوال ، وسبب النزول يشهد له كما سيأتي .

/خ3