ينهاهم شعيب ، عليه السلام ، عن قطع الطريق الحسي والمعنوي ، بقوله : { وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ } أي : توعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم . قال السدي وغيره : كانوا عشارين . وعن ابن عباس [ رضي الله عنه ]{[11962]} ومجاهد وغير واحد : { وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ } أي : تتوعدون المؤمنين الآتين إِلى شعيب ليتبعوه . والأول أظهر ؛ لأنه قال : { بِكُلِّ صِرَاطٍ } وهي الطرق ، وهذا الثاني هو قوله : { وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي : وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة . { وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ } أي : كنتم مستضعفين لقلتكم فصرتم أعزة لكثرة عَدَدكم ، فاذكروا نعمة الله عليكم في ذلك ، { وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } أي : من الأمم الخالية والقرون الماضية ، ما حل بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصي الله وتكذيب{[11963]} رسله .
{ ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } بكل طريق من طرق الدين كالشيطان ، وصراط الحق وإن كان واحدا لكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام ، وكانوا إذا رأوا أحدا يسعى في شيء منها منعوه . وقيل كانوا يجلسون على المراصد فيقولون لمن يريد شعيبا إنه كذاب فلا يفتننك عن دينك ويوعدون لمن آمن به . وقيل كانوا يقطعون الطريق . { وتصدون عن سبيل الله } يعني الذي قعدوا عليه فوضع الظاهر موضع المضمر بيانا لكل صراط ، ودلالة على عظم ما يصدون عنه وتقبيحا لما كانوا عليه أو الإيمان بالله . { من آمن به } أي بالله ، أو بكل صراط على الأول ، ومن مفعول تصدون على إعمال الأقرب ولو كان مفعول توعدون لقال وتصدونهم وتوعدون بما عطف عليه في موقع الحال من الضمير في تقعدوا . { وتبغونها عوجا } وتطلبون لسبيل الله عوجا بإلقاء الشبه ، أو وصفها للناس بأنها معوجة . { واذكروا إذ كنتم قليلا } عددكم أو عُددكم . { فكثّركم } بالبركة في النسل أو المال . { وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين } من الأمم قبلكم فاعتبروا بهم .
وقوله : { ولا تقعدوا بكل صراط } الآية ، قال السدي هذا نهي عن العشارين والمتقبلين ونحوه من أخذ أموال الناس بالباطل ، والصراط : الطريق وذلك أنهم كانوا يكثرون من هذا لأنه من قبيل : خسهم ونقصهم الكيل والوزن ، وقال أبو هريرة رضي الله عنه ، وهو نهي عن السلب وقطع الطريق ، وكان ذلك من فعلهم روي في ذلك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال القاضي أبو محمد : وما تقدم قبل من النهي في شأن المال في الموازين والأكيال والنحس يؤيد هذين القولين ويشبههما ، وفي هذا كله توعد للناس إن لم يتركوا أموالهم .
وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي أيضاً ، قوله : { ولا تقعدوا } نهي لهم عما كانوا يفعلونه من رد الناس عن شعيب ، وذلك أنهم كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويصدونه ويقولون إنه كذاب فلا تذهب إليه على نحو ما كانت قريش تفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال القاضي أبو محمد : وما بعد هذا من ألفاظ الآية يشبه هذا القول ، وقوله تعالى : { وتصدون عن سبيل الله من آمن } الآية المعنى وتفتنون من آمن وتصدونه عن طريق الهدى و { سبيل الله } المفضية إلى رحمته ، والضمير في { به } يحتمل أن يعود على اسم الله وأن يعود على شعيب في قول من رأى القعود على الطرق للرد عن شعيب ، وأن يعود على السبيل في لغة من يذكر «السبيل » وتقدم القول في مثل قوله : { وتبغونها عوجاً } في صدر السورة ، وقال أبو عبيدة والزجاج كسر العين في المعاني وفتحها في الأجرام ، ثم عدد عليهم نعم الله تعالى وأنه كثرهم بعد قلة عدد ، وقيل : أغناهم بعد فقر ، فالمعنى على هذا : إذ كنتم قليلاً قدركم ، ثم حذرهم ومثل لهم بمن امتحن من الأمم السابقة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.