نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَا تَقۡعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٖ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبۡغُونَهَا عِوَجٗاۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ وَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (86)

ولما كان للتعميم بعد التخصيص والتفصيل بعد الإجمال من الموقع في النفوس ما لا يخفى ، وكان النهي عن الإفساد بالصد عن سبيل الله هو المقصود بالذات لأنه ينهى عن كل فساد ، خصه بالذكر إشارة إلى أنه زبدة{[32705]} المراد بعد التعميم فقال : { ولا{[32706]} تقعدوا } أي تفعلوا فعل المترصد المقبل بكليته { بكل صراط } أي طريق من طرق{[32707]} الدنيا والدين من الحلال والحرام والأوامر والنواهي والمحكم والمتشابه والأمثال { توعدون } أي تتهددون من يسلكه بكل شر إن لم يوافقكم على ما تريدون .

ولما كان طريق الدين أهم ، خصه بالذكر فقال : { وتصدون } أي توقعون الصد على سبيل الاستمرار { عن سبيل الله } أي طريق من له الأمر كله ؛ ولما ذكر الصدود عنه{[32708]} ، ذكر المصدود فقال : { من آمن به } آي بالله فسلك سبيله التي لا أقوم منها ؛ولما كانوا لا يقنعون بمطلق الصد بالتهديد ونحوه ، بل يبدون للمصدود شبهاً توهمه أنه على ضلال ، قال عاطفاً : { وتبغونها{[32709]} عوجاً } أي وتطلبون السبيل حال كونها ذات عوج ، أي تطلبون اعوجاجها بإلقاء الشبهات والشكوك كما تقول : أريد فلاناً ملكاً ، أي أريد ملكه ، وقد تقدم في آل عمران أن نصبه على الحال أرجح ، وأن قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح " ابغني أحجاراً أستنفض بها " يرجح نصبه على المفعولية - والله اعلم .

ولما كانت أفعالهم نقص الناس إما في الأموال بالبخس وإما في الإيمان والنصرة بالصد ، ذكرهم أن الله تعالى فعل معهم ضد ذلك من التكثير بعد القلة في سياق منذر باجتثاثهم عن وجه الأرض وخصهم فضلاً عن تقليلهم ونقصهم ، فقال عطفاً على قوله { اعبدوا الله } وما بعده من الأوامر والنواهي : { واذكروا إذ } أي حين { كنتم قليلاً } أي في العدد والمدد { فكثركم } أي كثر عددكم وأموالكم وكل شيء ينسب إليكم ، فلا تقابلوا النعمة بضدها ، فإن ذكر النعمة مرغب في الشكر .

ولما رغبهم بالتذكير بالنعمة ، حذرهم بالتذكير بأهل النقمة فقال : { وانظروا كيف كان عاقبة } أي آخر أمر { المفسدين* } أي في عموم الإهلاك بأنواع العذاب لتحذروا من أن يصيبكم مثل ما أصابهم كما صرح به في سورة هود{[32710]} لكون الحال هناك مقتضياً للبسط كما سيأتي إن شاء الله تعالى .


[32705]:- من ظ، وفي الأصل: زايدة.
[32706]:- من ظ والقرآن الكريم، وفي الأصل: فلا.
[32707]:- في ظ: طريق
[32708]:- في ظ: عليه.
[32709]:- في ظ: يبغونها.
[32710]:- زيد بعده في ظ: لا.