إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَا تَقۡعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٖ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبۡغُونَهَا عِوَجٗاۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ وَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (86)

{ وَلاَ تَقْعُدُوا بِكُلّ صراط تُوعِدُونَ } أي بكل طريقٍ من طرق الدِّين كالشيطان . وصراطُ الحقِّ وإن كان واحداً لكنه يتشعب إلى معارفَ وحدودٍ وأحكامٍ وكانوا إذا رأَوْا أحداً يشرَع في شيء منها منعوه . وقيل : كانوا يجلِسون على المراصد فيقولون لمن يريد تشعيبا إنه كذابٌ لا يفتنَنَّك عن دينك ويتوعّدون لمن آمن به وقيل : يقطعون الطريق { وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله } أي السبيلِ الذي قعَدوا عليه فوقع المُظهرُ موقعَ المضمرِ بياناً لكل صراطٍ ودلالةً على عِظم ما يصدون عنه وتقبيحاً لما كانوا عليه ، أو الإيمانِ بالله أو بكل صراط على أنه عبارة عن طرق الدين وقوله تعالى : { مَنْ آمَنَ بِهِ } مفعول تصدون على إعمال الأقربِ ، ولو كان مفعولَ توعِدون لقيل : وتصُدونهم ، وتوعِدون حالٌ من الضمير في تقعدوا { وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي وتطلبون لسبيل الله عوجاً بإلقاء الشُبَهِ أو بوصفها للناس بأنها مُعْوجةٌ وهي أبعدُ شيءٍ من شائبة الاعوجاج .

{ واذكروا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } بالبركة في النسل والماء { وانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين } من الأمم الماضيةِ كقوم نوحٍ ومَنْ بعدهم من عاد وثمودَ وأضرابِهم واعتبِروا بهم .