السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَا تَقۡعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٖ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبۡغُونَهَا عِوَجٗاۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ وَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (86)

{ ولا تقعدوا بكل صراط } أي : طريق من طرف الدين { توعدون } أي : تمنعون الناس من الدخول فيه وتهدّدونهم على ذلك وذلك أنهم كانوا يجلسون على الطرقات فيخبرون من أتى عليهم أنّ شعيباً الذي تريدونه كذاب فلا يفتنكم عن دينكم وقيل : كانوا يقطعون الطريق على الناس أو يقعدون لأخذ المكس منهم وقوله تعالى : { وتصدّون } أي : تصرفون الناس { عن سبيل الله } أي : دينه { من آمن به } دليل على أنّ المراد بالطريق سبيل الحق .

فإن قيل : صراط الحق واحد قال تعالى : { وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } ( الأنعام ، 153 ) .

فكيف قيل : بكل صراط ؟ أجيب : بأنّ صراط الحق وإن كان واحدا لكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة وكانوا إذا رأوا أحد يشرع في شيء منها أوعدوه وصدوه { وتبغونها } أي : تطلبون الطريق { عوجاً } أي : تصفونها للناس بأنها سبيل معوجة عن الحق غير مستقيمة لتصدّوهم عن سلوكها والدخول فيها أو يكون ذلك تهكماً بهم وإنهم يطلبون لها ما هو محال فإنّ طريق الحق لا يعوج { واذكروا } نعمة الله عليكم وآمنوا به { إذ كنتم قليلاً فكثركم } أي : كثر عددكم بعد القلة أو كثركم بالغنى بعد الفقر وكثركم بالقدرة بعد الضعف قيل : إنّ مدين بن إبراهيم تزوّج بنت لوط عليهما السلام فولدت فرمى الله تعالى في نسلهما بالبركة والنماء فكثروا ونموا { وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين } قبلكم بتكذيبهم رسلهم أي : آخر أمرهم من الهلاك وأقرب الأمم إليكم قوم لوط فانظروا كيف أرسل الله تعالى عليهم حجارة من السماء لما عصوه وكذبوا رسوله .