غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا تَقۡعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٖ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبۡغُونَهَا عِوَجٗاۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ وَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (86)

85

ثم فصل بعض ما أجمل فقال { ولا تقعدوا بكل صراط } قيل : الصراط حقيقة وذلك أنهم كانوا يجلسون على الطرق والمراصد كما كانت تفعل قريش بمكة يخوّفون من آمن بشعيب ويقولون إنه كذاب لا يفتنكم عن دينكم ، أو كانوا يقطعون الطرق أو كانوا عشارين . وقيل : إنه مجاز عن الدين أي لا تقعدوا على طريق الدين ومنهاج الحق لأجل أن تمنعوا الناس عن قبوله اقتداء بالشيطان حيث قال { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } [ الأعراف : 16 ] ودليل هذا المجاز قوله { وتصدون عن سبيل الله } يقال : قعد بمكان كذا أي التصق به ، وعلى مكان كذا أي علا ذلك المكان وفيه إذا حل ، فحروف الجر تتعاقب في مثل هذا الموضع لتقارب معانيها . ومحل { توعدون } وما عطف عليه نصب على الحال ، نهاهم عن القعود على صراط الله حال الاشتغال بأحد هذه الأفعال . وإنما قال { بكل صراط } مع أن صراط الحق واحد لأنه يتشعب إلى معالم وحدود وأحكام كثيرة كل منها في نفسه سبيل ، وكانوا إذا رأوا أحداً يشرع فيها أوعدوه وصدوه . والضمير في { به } راجع إلى كل صراط والتقدير : توعدون من آمن به وتصدون عنه فوضع الظاهر موضع الضمير زيادة في التقبيح والتفظيع . ومعنى { وتبغونها } تطلبون لسبيل الله { عوجاً } أي تصفونها للناس بأنها معوجة وذلك بإلقاء الشكوك والشبهات . قال في الكشاف : أو يكون تهكماً بهم وأنهم يطلبون لها ما هو محال لأن طريق الحق لا تعوج . ثم ذكرهم نعم الله تعالى لأن ذكر النعم مما يحمل على الطاعة ويبعد عن المعصية فقال { واذكرا إذ كنتم } أي وقت كونكم { قليلاً فكثركم } قال الزجاج يحتمل كثرة العدد بعد القلة وكثرة الغنى بعد الفقر وكثرة القدرة والشدة بعد الضعف والذلة . قيل : إن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت فرمى الله في نسلها بالبركة والنماء وصاروا كثيراً في العدة والعدة والشدّة . ثم حذرهم سوء عاقبة من أفسد قبلهم من الأمم وكانوا قريبي العهد مما أصاب المؤتفكة فقال { وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين } .

/خ93