تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا تَقۡعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٖ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبۡغُونَهَا عِوَجٗاۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ وَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (86)

الآية 86 وقوله تعالى : { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } يحتمل ما قاله أهل التأويل : إن كبراء أهل الشرك ورؤساءهم كانوا يقعدون في الطرق أناسا يصدّون الذين يأتون شعيبا للإيمان [ ويمنعونهم ]{[8646]} من الإيمان من الآفاق والنواحي . ويكون معنى { من آمن به } على هذا التأويل : أي من أراد أن يؤمن .

ويحتمل قوله تعالى : { ولا تقعدوا } ليس على القعود نفسه ، ولكن على المنع من إقامة الشرائع التي شرع الله لشعيب كقول إبليس { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } [ الأعراف : 16 ] ليس هو على القعود نفسه ولكن على المنع ؛ ويمنعهم عن صراطه{[8647]} المستقيم . فعلى قوله { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } كانوا يمنعون { من آمن به } عن إقامة الشرائع والعبادات التي دعوا إلى إقامتها ، ويوعدون على ذلك ، ويخوّفونهم . فعلى هذا التأويل يكون معنى قوله : { من آمن به } على وجود الإيمان . وعلى التأويل الأول يكون من أراد أن يؤمن به ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وتبغونها عوجا } قيل : تلتمسون لها أهل الزيغ ، وقيل : تبغون هلاكا للإسلام وإبطالا ، وقيل : تبغون السبيل عوجا عن الحق ، وكله واحد .

وقوله تعالى : { واذكروا إذ كنتم قليلا فكثّركم } أي كثّر لكم الأموال ، ووسّع عليكم الدنيا .

وقوله تعالى : { وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين } أمر بالنظر في ما حل بالأمم الخالية بإفسادهم في الأرض وتكذيبهم الرسل ؛ لأن من نظر في ذلك ، وتفكر فيما حل بهم ، منعه ذلك عن الفساد في الأرض والتكذيب للرسل ؛ إن علم أن ما حل بهم [ إنما حل لما ذكر ، والله ]{[8648]} أعلم . كأنه أمر بالنظر في الأسباب التي [ بها ]{[8649]} صار من تقدّمهم أهل فساد ، ونزل بهم الهلاك ، لينزجروا عن مثيل صنيعهم ، وإلا كانوا عند انفسهم أهل صلاح لا أهل فساد .


[8646]:ساقطة من الأصل وم.
[8647]:من م، في الأصل: صراط.
[8648]:من م، في الأصل: لما ذكروا الله.
[8649]:ساقطة من الأصل وم.