تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي يَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (36)

يقول تعالى لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، { وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا } يعني : كفار قريش كأبي جهل وأشباهه { إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا } أي : يستهزئون بك وينتقصونك ، يقولون : { أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } يعنون : أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم ، قال تعالى : { وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ } أي : وهم كافرون بالله ، ومع هذا يستهزئون برسول الله ، كما قال في الآية الأخرى : { وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا . إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا } [ الفرقان : 41 ، 42 ] .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي يَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (36)

{ وإذ رآك الذين كفروا إن يتخذونك } ما يتخذونك . { إلا هزوا } إلا مهزوءا به ويقولون : { أهذا الذي يذكر آلهتكم } أي بسوء ، وإنما أطلقه لدلالة الحال فإن ذكر العدو لا يكون إلا بسوء . { وهم بذكر الرحمن } بالتوحيد أو بإرشاد الخلق ببعث الرسل وإنزال الكتب رحمة عليهم أو بالقرآن . { هم كافرون } منكرون فهم أحق أن يهزأ بهم ، وتكرير الضمير للتأكيد والتخصيص ولحيلولة الصلة بينه وبين الخبر .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي يَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (36)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"وَإذَا رآكَ" يا محمد "الّذِينَ كَفَرُوا "بالله، "إنْ يَتّخِذُونَكَ إلاّ هُزُوا" يقول: ما يتخذونك إلا سخرّيا يقول بعضهم لبعض: "أهَذَا الّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ" يعني بقوله: يذكر آلهتكم بسوء ويعيبها، تعجبا منهم من ذلك.

يقول الله تعالى ذكره: فيعجبون من ذكرك يا محمد آلهتهم التي لا تضرّ ولا تنفع بسوء، "وَهُمْ بِذِكْرِ الرّحْمَنِ" -الذي خلقهم وأنعم عليهم، ومنه نَفْعُهم وبيده ضرّهم، وإليه مرجعهم- بما هو أهله منهم أن يذكروه به "كَافِرُونَ". والعرب تضع الذكر موضع المدح والذمّ، فيقولون: سمعنا فلانا يذكر فلانا، وهم يريدون سمعناه يذكره بقبيح ويعيبه... وسمعناه يُذكر بخير.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... يذكر هذا ليصبر رسوله، ويُعزيه، على تكذيبهم: ليست أياديك إليهم بأكثر من أيادي الرحمن، فهم يكفرون به، ويكذبونه، ويقولون فيه ما يقولون. فاصبر أنت على أذاهم وما قالوا فيك، والله أعلم.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

" إلا هزوا "يعني سخرية، جهلا منهم وسخفا، وفي ذلك تسلية لكل محق يلحقه أذى من جاهل مبطل. والهزو: إظهار خلاف الإبطان، لإيهام النقص عن فهم القصد.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

الذكر يكون بخير وبخلافه، فإذا دلت الحال على أحدهما أطلق ولم يقيد، كقولك للرجل: سمعت فلاناً يذكرك، فإن كان الذاكر صديقاً فهو ثناء، وإن كان عدوّاً فذم. ومنه قوله تعالى: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} [الأنبياء: 60] وقوله: {أهذا الذى يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} والمعنى أنهم عاكفون على ذكر آلهتهم بهممهم وما يجب أن لا تذكر به، من كونهم شفعاء وشهداء. ويسوءهم أن يذكرها ذاكر بخلاف ذلك. وأما ذكر الله وما يجب أن يذكر به من الوحدانية، فهم به كافرون لا يصدّقون به أصلاً فهم أحق بأن يُتخذوا هزؤا منك، فإنك محق وهم مبطلون...

وقيل: {بِذِكْرِ الرحمن} بما أنزل عليك من القرآن. والجملة في موضع الحال، أي يتخذونك هزؤا.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

... ظاهر الآية أن كفار قريش وعظماءهم يعمهم هذا المعنى من أنهم ينكرون أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أمر آلهتهم وذكره لهم بفساد، و {إن} بمعنى ما وفي الكلام حذف تقديره يقولون {أهذا الذي} وقوله {يذكر} لفظة تعم المدح والذم لكن قرينة المقال أبداً تدل على المراد من الذكر وتم ما حكي عنهم في قوله تعالى: {آلهتكم}، ثم رد عليهم بأن قرن بإنكارهم ذكر الأصنام كفرهم بذكر الله أي فهم أحق وهم المخطئون. وقوله تعالى: {بذكر} أي بما يجب ان يذكر به ولا إله إلا الله منه.

وقوله {بذكر الرحمن} روي أن الآية نزلت حين أنكروا هذه اللفظة وقالوا ما نعرف الرحمن إلا في اليمامة، وظاهر الكلام أن الرحمن قصد به العبارة عن الله تعالى كما لو قال {وهم بذكر} الله وهذا التأويل أغرق في ضلالهم وخطاهم.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

ولما كان الكفار يغمهم ذكر آلهتهم بسوء شرعوا في الاستهزاء وتنقيص من يذكرهم على سبيل المقابلة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وإذا رءاك} أي وأنت أشرف الخلق وكلك جد وجلال وعظمة وكمال. {الذين كفروا} فأظهر، منبهاً على أن ظلمهم الذي أوجب لهم ذلك هو الكفر وإن كان في أدنى رتبة، تبشيعاً له وتنبيهاً على أنه يطمس الفكر مطلقاً. ولما كان من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم في غاية البعد عن الهزء، قال منبهاً على أنهم أعرقوا في الكفر حتى بلغوا الذروة: {إن} أي ما {يتخذونك} أي حال الرؤية، وسيعلم من يبقى منهم عما قليل أنك جد كلك {إلا هزواً} أي جعلوك بحمل أنفسهم على ضد ما يعتقد عين ما ليس فيك شيء منه؛ ثم بين استهزاءهم به بأنهم يقولون إنكاراً واستصغاراً: {أهذ الذي يذكر} أي بالسوء {ءالهتكم}... والحال أنهم على حال كانوا بها أصلاً في الهزء، وهي أنهم {بذكر الرحمن} الذي لا نعمة عليهم ولا على غيرهم إلا منه، وكرر الضمير تعظيماً بما أتوا به من القباحة فقال: {هم} أي بظواهرهم وبواطنهم {كافرون} أي ساترون لمعرفتهم به، فلا أعجب ممن هو محل للهزء لكونه أنكر ذكر من لا نعمة منه ولا نقمة أصلاً بالسوء، وهو يذكر من كل نعمة منه بالسوء ويهزأ به.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ْ} أي: هذا المحتقر بزعمهم، الذي يسب آلهتكم ويذمها، ويقع فيها، أي: فلا تبالوا به، ولا تحتفلوا به...

ومع هذا، فذكرهم للرحمن، الذي هو أعلى حالاتهم، كافرون بها، لأنهم لا يذكرونه ولا يؤمنون به إلا وهم مشركون، فذكرهم كفر وشرك، فكيف بأحوالهم بعد ذلك؟ ولهذا قال: {وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ْ} وفي ذكر اسمه {الرَّحْمَنِ ْ} هنا، بيان لقباحة حالهم، وأنهم كيف قابلوا الرحمن -مسدي النعم كلها، ودافع النقم الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يدفع السوء إلا إياه- بالكفر والشرك.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

بعد ذلك الشوط البعيد المديد في أرجاء الكون، وفي نواميس الوجود، وفي سنن الدعوات، وفي مصائر البشر، وفي مصارع الغابرين.. يرتد السياق إلى مثل ما بدأ به في مطلع السورة عن استقبال المشركين للرسول [صلى الله عليه وسلم] وما معه من الوحي؛ واستهزائهم به وإصرارهم على الشرك..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ومعنى اتِّخاذه هُزْؤاً أنهم يجعلونه مستهزأ به فهذا من الإخبار بالمصدر للمبالغة، أو هو مصدر بمعنى المفعول كالخَلق بمعنى المخلوق... وكلامهم مسوق مساق الغيظ والغضب، ولذلك أعْقبه الله بجملة الحال وهي {وهم بذكر الرحمن هم كافرون}، أي يغضَبون من أن تذكر آلهتهم بما هو كشف لكُنْهِها المطابق للواقع في حال غفلتهم عن ذكر الرحمان الذي هو الحقيق بأن يذكروه. فالذكر الثاني مستعمل في الذكر بالثناء والتمجيد بقرينة المقام. والأظهر أن المراد بذكر الرحمان هنا القرآن، أي الذكر الوارد من الرحمان. والمناسبة الانتقال من ذكر إلى ذكر. ومعنى كفرهم بذكر الرحمان إنكارهم أن يكون القرآن آية دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: {فليأتنا بآية كما أرسل الأولون} [الأنبياء: 5]. وأيضاً كفرهم بما جاء به القرآن من إثبات البعث..

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

والنفي والإثبات بالاستثناء مفيد لاستغراق الاستهزاء كل أحوالهم، فليس عندهم في نفوسهم فراغ لسماع الحق، والإنصات إليه في جد وإقبال.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً} لأن مقاييسهم في تقويم الأشخاص ليست هي الكفاءات العلمية، والملكات الروحية والعقلية التي يملكها الإنسان، للحصول على احترامهم الذاتي والاجتماعي، بل هي الامتيازات المالية أو الطبقية، أو غير ذلك مما يتصل بالأمور الخارجة عن الذات، مما يستعيره الإنسان من نسبه أو ماله أو موقعه الاجتماعي، وبذلك فإنهم ينظرون إلى الرسول (ص) نظرة سخرية وهزء، لأن مستواه الاجتماعي في دعواه للنبوة تحتاج إلى مركز كبير ورفيع، وهذا في نظرهم لا يتناسب مع فقره ويتمه وفقدانه للمقومات الطبقية المرموقة في عرفهم، {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} ويهاجمها ويعمل على إبعاد الناس عن عبادتها، في الوقت الذي لا يملك أي موقع يسمح له بذلك؟

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

نعم، إنّ الإنسان إذا اعتاد أمراً وتطبّع عليه وتعصّب له فإنّه سيتقدّس في نظره وإن كان أسوء الأمور، وإذا عادى شيئاً فسيبدو سيّئاً في نظره تدريجيّاً وإن كان أجمل الاُمور وأحبّها.