فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي يَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (36)

قوله : { [ وَإِذَا ] رَآكَ الذين كَفَرُوا } يعني المستهزئين من المشركين { إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هزواً } أي ما يتخذونك إلا مهزوءاً بك ، والهزؤ : السخرية ، وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم : { المشركين إِنَّا كفيناك المستهزئين } [ الحجر : 95 ] والمعنى : ما يفعلون بك إلا اتخذوك هزوءاً { أهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } هو على تقدير القول ، أي يقولون : أهذا الذي ، فعلى هذا هو جواب إذا ، ويكون قوله : { إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هزواً } اعتراضاً بين الشرط وجوابه ، ومعنى يذكرها : يعيبها . قال الزجاج : يقال فلان يذكر الناس ، أي يغتابهم ، ويذكرهم بالعيوب ، وفلان يذكر الله ، أي يصفه بالتعظيم ويثني عليه ، وإنما يحذف مع الذكر ما عقل معناه ، وعلى ما قالوا لا يكون الذكر في كلام العرب العيب ، وحيث يراد به العيب يحذف منه السوء ، قيل : ومن هذا قول عنترة :

لا تذكري مهري وما أطعمته *** فيكون جلدك مثل جلد الأجرب

أي لا تعيبي مهري ، وجملة { وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن هُمْ كافرون } في محل نصب على الحال ، أي وهم بالقرآن كافرون ، أو هم بذكر الرحمن الذي خلقهم كافرون ، والمعنى : أنهم يعيبون على النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يذكر آلهتهم التي لا تضرّ ولا تنفع بالسوء ، والحال أنهم بذكر الله سبحانه بما يليق به من التوحيد ، أو القرآن كافرون ، فهم أحق بالعيب لهم والإنكار عليهم ، فالضمير الأوّل مبتدأ خبره كافرون ، و " بذكر " متعلق بالخبر ، والضمير الثاني تأكيد .

/خ43