يخبر تعالى نبيه ، صلوات الله عليه وسلامه{[14287]} أنه{[14288]} يعلم جميع أحواله وأحوال أمته ، وجميع الخلائق في كل ساعة وآن ولحظة ، وأنه لا يعزُب عن علمه وبصره مثقالُ ذرة في حقارتها وصغرها في السموات ولا في الأرض ، ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين ، كقوله : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ{[14289]} الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] ، فأخبر تعالى أنه يعلم حركة الأشجار وغيرها من الجمادات وكذلك الدواب السارحة في قوله : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [ الأنعام : 38 ] ، وقال تعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ هود : 6 ] .
وإذا كان هذا علمه بحركات هذه الأشياء ، فكيف بعلمه بحركات المكلفين المأمورين بالعبادة ، كما قال تعالى : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } [ الشعراء : 217 - 219 ] ؛ ؛ ولهذا قال تعالى : { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } أي : إذ تأخذون في ذلك الشيء نحن مشاهدون لكم راءون سامعون ، ولهذا قال ، عليه السلام{[14290]} لما سأله جبريل عن الإحسان [ قال ]{[14291]} أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " . {[14292]}
{ وما تكون في شأنٍ } ولا تكون في أمر ، وأصله الهمز من شأنت شأنه إذا قصدت قصده والضمير في { وما تتلو منه } له لأن تلاوة القرآن معظم شأن الرسول ، أو لأن القراءة تكون لشأن فيكون التقدير من أجله ومفعول تتلو { من قرآن } على أن { من } تبعيضية أو مزيدة لتأكيد النفي أو لل { قرآن } ، وإضماره قبل الذكر ثم بيانه تفخيم له أو لله . { ولا تعملون من عملٍ } تعميم للخطاب بعد تخصيصه بمن هو رأسهم ، ولذلك ذكر حيث خص ما فيه فخامة وذكر حيث عم ما يتناول الجليل والحقير . { إلا كنا عليكم شهودا } رقباء مطلعين عليه . { إذ تفيضون فيه } تخوضون فيه وتندفعون . { وما يعزُب عن ربك } ولا يبعد عنه ولا يغيب عن علمه ، وقرأ الكسائي بكسر الزاي هنا وفي " سبأ " . { من مثقال ذرّة } موازن نملة صغيرة أو هباء . { في الأرض ولا في السماء } أي في الوجود والإمكان فإن العامة لا تعرف ممكنا غيرهما ليس فيهما ولا متعلقا بهما ، وتقديم الأرض لأن الكلام في حال أهلها والمقصود منه البرهان على إحاطة علمه بها . { ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين } كلام برأسه مقرر لما قبله { لا } نافية و{ أصغر } اسمها { وفي كتاب } خبرها . وقرأ حمزة ويعقوب بالرفع على الابتداء والخبر ، ومن عطف على لفظ { مثقال ذرة } وجعل الفتح بدل الكسر لامتناع الصرف أو على محله مع الجار جعل الاستثناء منقطعا ، والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.