الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَا تَكُونُ فِي شَأۡنٖ وَمَا تَتۡلُواْ مِنۡهُ مِن قُرۡءَانٖ وَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيۡكُمۡ شُهُودًا إِذۡ تُفِيضُونَ فِيهِۚ وَمَا يَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصۡغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرَ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٍ} (61)

وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ } عمل من الأعمال ، وجمعه : شؤون ، قال الأخفش : يقول العرب ما شأنك شأنه ، أي لمّا عملت على عمل { وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ } من الله { مِن قُرْآنٍ } ثم خاطبه وأمته جميعاً فقال : { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } أي تأخذون وتدخلون فيه ، والهاء عائدة على العمل ، يقال : أفاض فلان في الحديث وفي القول إذا أبدع فيه .

قال الراعي :

وأفضن بعد كظومهن بجرة *** من ذي الأبارق إذ رعين حقيلا

قال ابن عباس : تفيضون تفعلون ، الحسن : تعملون ، الأخفش : تكلمون ، المؤرّخ : تكثرون ، ابن زيد : تخرصون . ابن كيسان : تنشرون . يقال : حديث ستفيض ، وقيل : تسعون .

وقال الضحاك : الهاء عائدة إلى القرآن أي تستمعون في القرآن من الكذب . قيل : من شهد شهود الحق قطعاً ذلك عن مشاهدة الأغيار أجمع { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ } قال ابن عباس : فلا يغيب ، أبو روق : يبعد ، وقال ابن كيسان يذهب .

وقرأ يحيى والأعمش والكسائي : يعزب بكسر الزاء وقرأ الباقون : بالضم وهما لغتان [ صحيحتان ] { مِن مِّثْقَالِ } من صلة معناه وما يعزب عن ربك مثقال ذرة أو وزن ذرة [ وهي النملة الحمراء الصغيرة ] ، يقول العرب : [ خذ ] هذا ، فإنهما أثقل مثقالا وأخفها مثقالا أي وزناً { فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ } قرأ الحسن وابن أبي يحيى وحمزة برفع الراء فيهما عطفاً على موضع المثقال فبرّر دخول من ، وقرأ الباقون بفتح الراء عطفاً على الذرة ولا مثقال أصغر وأكبر { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } بمعنى اللوح المحفوظ .