غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَا تَكُونُ فِي شَأۡنٖ وَمَا تَتۡلُواْ مِنۡهُ مِن قُرۡءَانٖ وَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيۡكُمۡ شُهُودًا إِذۡ تُفِيضُونَ فِيهِۚ وَمَا يَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصۡغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرَ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٍ} (61)

61

التفسير : لما بين فساد طريقة الكفار في عقائدهم وأحكامهم بيّن كونه سبحانه عالماً بعمل كل أحد وبما في قلبه من الدواعي والصوارف والرياء والإخلاص وغير ذلك فقال : { وما تكون } يا محمد { في شأن } أي أمر من الأمور . وأصله الهمز بمعنى القصد من شأنت شأنه إذا قصدت قصده . قال ابن عباس : أي في شأن من أعمال البر . وقال الحسن : في شأن الدنيا وحوائجها و «ما » في { وما تكون } { وما تتلو } نافية والضمير في { منه } إما لله عز وجل أي نازل من عنده ، وإما للشأن لأن تلاوة القرآن شأن من شؤون رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو معظم شأنه ولهذا أفرد بالذكر كقوله : { وملائكته وجبريل وميكال } [ البقرة : 98 ] وإما للقرآن والإضمار قبل الذكر تفخيم له كأنه قيل : وما تتلو من التنزيل من قرآن لأن كل جزء منه قرآن . ثم عمم الخطاب فقال : { ولا تعملون } أيها المكلفون { من عمل } أيّ عمل كان { إلا كنا عليكم شهوداً } شاهدين رقباء والجمع للتعظيم أو لأن المراد الملائكة الموكلون { إذ تفيضون فيه } الإفاضة الشروع في العمل على جهة الانصباب والاندفاع ومنه قوله : { فإذا أفضتم من عرفات } [ البقرة : 198 ] قيل : شهادة الله علمه فيلزم أنه لا يعلم الأشياء إلا عند وجودها . والجواب أن الشهادة علم خاص ولا يلزم منه امتناع تقدم العلم المطلق على الشيء كما لو أخبرنا الصادق أن زيداً يفعل كذا غداً فنكون عالمين بذلك لا شاهدين . ثم زاد في التعميم فقال : { وما يعزب عن ربك } أي لا يبعد ولا يغيب ومنه كلأ عازب أي بعيد ، والرجل العزب لبعده عن الأهل . ومعنى { مثقال ذرة } قد مر في قوله : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } [ النساء : 140 ] وذلك في سورة النساء . والمقصود أنه لا يغيب عن علمه شيء أصلاً وإن كان في غاية الحقارة . وإنما قال هاهنا { في الأرض ولا في السماء } خلاف ما في سورة سبأ وهو المعهود في القرآن لأن الكلام سيق لشاهدته على شؤون أهل الأرض فناسب أن يقدم ذكر ما في الأرض ، هذا بعد تسليم أن الواو تفيد الترتيب . ثم بالغ في تعميم علمه فقال : { ولا أصغر من ذلك ولا أكبر } من قرأ بالنصب على نفس الجنس أو بالرفع على الابتداء ليكون كلاماً برأسه فلا إشكال ، وأما من جعله منصوباً معطوفاً على لفظ مثقال لأنه في موضع الجر بالفتح لامتناع الصرف ، أو جعله مرفوعاً معطوفاً على محل { من مثقال } لأنه فاعل { يعزب } فأورد عليه الإشكال وهو أنه يصير تقدير الآية لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء إلا في كتاب ، ويلزم منه أن يكون ذلك الشيء الذي في الكتاب خارجاً عن علم الله وإنه محال . ويمكن أن يجاب عنه بأن الأشياء المخلوقة قسمان : قسم أوجده الله تعالى ابتداء من غير واسطة كخلق الملائكة والسموات والأرض . وقسم آخر أوجده بواسطة القسم الأول من حوادث عالم الكون والفساد ، ولا شك أن هذا القسم الثاني متباعد في سلسة العلية والمعلولية عن مرتبة واجب الوجود ، فالمراد من الآية أنه لا يبعد عن مرتبة وجوده شيء في الأرض ولا في السماء إلا هو في كتاب مبين . وهو كتاب أثبت فيه صور تلك المعلومات ، والغرض الرد على من يزعم أنه تعالى غير عالم بالجزيئات . أو نقول : إن الاستثناء منقطع بمعنى لكن هو في كتاب مبين . وذكر أبو علي الجرجاني صاحب النظم إن «إلا » بمعنى الواو على أن الكلام قد تم عند قوله : { ولا أكبر } ثم وقع الابتداء بكلام آخر فقال : { إلا في كتاب } أي وهو أيضاً في كتاب { مبين } والعرب تضع «إلا » موضع واو النسق كثيراً ومنه قوله : { إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم } [ النمل : 11 ] يعني ومن ظلم . وقوله : { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا } يعني والذين ظلموا .

/خ70