بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَا تَكُونُ فِي شَأۡنٖ وَمَا تَتۡلُواْ مِنۡهُ مِن قُرۡءَانٖ وَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيۡكُمۡ شُهُودًا إِذۡ تُفِيضُونَ فِيهِۚ وَمَا يَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصۡغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرَ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٍ} (61)

قوله تعالى : { وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ } ، أي : وما تكون يا مُحَمَّدُ في أمر من الأمور ، { وَمَا تَتلوا منه من قرآن } وما تقرأ من الله من قرآن ، ممَّا أوحي إليك . فخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ، وخاطب أمته أيضاً ، فقال : { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا } يعني : عالماً بكم ، وبأعمالكم ، فلا تنسوه . ويقال : إلاّ جعل عليكم شاهداً من الملائكة ، وهم الحفظة { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } يعني : حين تأخذون في قراءة القرآن . ويقال : حين تخوضون فيه .

{ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ } قرأ الكِسَائِيُّ : { وَمَا يَعْزُبُ } بكسر الزَّاي . وقرأ الباقون : بالضَّم ، وهما لغتان جيدتان . وهكذا ذُكِرَ عن الفَرَّاءِ . يعني : وما يغيب { عَن رَّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ } قال الكَلْبِيّ : وهي النَّملة الحُمَيْرَاءُ . وقال مقاتل : أصغر نملة في الأرض . ويقال : الذَّر ما يُرَى من شعاع الشَّمس ، والمثقال عبارة عن الوزن . يعني : لا يغيب عنه وزن الذَّرَّة { فِي الأرض وَلاَ فِى السماء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك } يعني : ولا أخف من وزن الذَّرَّة { وَلا أَكْبَرَ } ، يعني : ولا أثقل من وزن الذَّرَّة . ويقال : لا أقلَّ منه ، ولا أعظم ، { إِلاَّ فِى كتاب مُّبِينٍ } . يعني : مكتوباً في اللَّوح المحفوظ . قرأ حمزة : { وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك وَلا أَكْبَرَ } بضمِّ الرَّاءين . ومعناه : ولا يغيب عنه أصغر من ذلك ، ولا أكبر منه ، فيصير رفعاً لأنه فاعل . وقرأ الباقون بالنَّصب ، لأن معناه : ولا يغيب عنه بمثقال ذرة في الأرض ولا في السَّماء ، ولا بمثقال ذرَّة أصغر من ذلك . فموضعه خَفْضٌ ، إلاّ أنّه لا ينصرف فصار نصباً .