تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَمَا تَكُونُ فِي شَأۡنٖ وَمَا تَتۡلُواْ مِنۡهُ مِن قُرۡءَانٖ وَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيۡكُمۡ شُهُودًا إِذۡ تُفِيضُونَ فِيهِۚ وَمَا يَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصۡغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرَ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٍ} (61)

{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ 61 }

المفردات :

في شأن : في أمر تقصده .

كنا عليكم شهودا : كنا رقباء مطلعين عليكم .

تفيضون فيه : تخوضون وتندفعون فيه ، وأصل الإفاضة : الاندفاع بكثرة أو بقوة .

وما يعزب : ولا يغيب .

مثقال ذرة : المثقال : الوزن ، والذرة : النملة والهباء .

كتاب مبين : المراد به : اللوح المحفوظ أو هو كناية عن علمه تعالى ، ومعنى مبين : بين واضح .

التفسير :

61 { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا . . . } الآية .

بينت هذه الآية الكريمة إحاطة القدرة الإلهية بكل شيء في هذا الوجود ، وإحاطة علم الله بالصغير والكبير في هذا الكون ؛ إن الله قد أحاط بكل شيء علما .

والمعنى : وما تكون يا محمد في شأن من شئونك الهامة ، خاصة كانت أو عامة .

{ وما تتلوا منه من قرآن } .

وما تقرأ من أجل ذلك الشأن من قرآن أنزله الله عليك ؛ تعبدا به أو تبليغا له ولا تعلمون أيها الناس الذين بلغتكم دعوته من عمل خيرا كان أو شرا ، شكرا كان أو كفرا ؛ إلا كنا عليكم رقباء وحافظين وشهداء فنحفظه عليكم ونجازيكم به .

{ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء } .

وما يغيب عن علم ربك شيء في وزن الهباء الدقيق ؛ سواء أكان ذلك الشيء الدقيق في الأرض أمام أنظاركم ، أو في السماء بعيدا عنكم ، وقدم ذكر الأرض ؛ لأن الكلام مع أهلها .

{ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إلا في كتب مبين } .

أي : ولا شيء أصغر من الذرة ، ولا أكبر من ذلك وإن عظم مقداره ؛ إلا وهو معلوم ومحصى عنده في كتاب عظيم الشأن ، أي : إن علمه محيط بكل صغير وكبير ؛ فكيف تخفى عليه أعمالكم ؟

جاء في تفسير المراغي ما يأتي :

وفي معنى الآية قوله تعالى : { فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون } . ( الحاقة : 38 ، 39 ) .

وفي ذلك إشارة إلى أن في الوجود أشياء لا تدركها الأبصار وقد أثبت العلم الحديث بواسطة الآلات التي تكبر الأشياء أضعافا مضاعفة ( الميكروسكوبات ) أن هناك أشياء لا يمكن رؤيتها إلا إذا كبرت عن حقيقتها آلاف المرات كالجراثيم ( الميكروبات ) ولم تكن تخطر على البال في عصر التنزيل ، وقد ظهرت للناس الآن فهي من روائع الإعجاز العظيمة الدالة على أنه من كلام العليم الخبير . xxiv

وأضيف أنني أكتب هذا التفسير اليوم بتاريخ 27/12/1993 ، وبالأمس أفادت أخبار من أمريكا أنها استردت قمرا صناعيا استمر دورانه في الفضاء 4 سنوات ؛ ليجيب عن سؤالين هما :

1 كيف كان خلق الكون ؟

2 ما عمر هذا الكون ؟

وذكروا أن الكون خلق بعد الانفجار الكبير الذي ترتب عليه وجود السماوات والأرض وما بينهما من الفضاء والهواء وأن عمر الكون 15 مليون سنة ، وسيمكث الكون 15 مليون سنة أخرى ثم يشيخ وينتهي . ا ه .

ونقول : إن تقدم العلوم لا يصطدم مع حقائق القرآن ؛ بل ينزع إلى تأكيد ما جاء في القرآن ، وتأكيد أنه كلام الله الذي أحاط بكل شيء علما .

لقد كانت الأرض صماء لا تنبت ، وكانت السماء رتقا لا تمطر ؛ ففتق الله السماء بالمطر ، وفتق الأرض بالنبات وسبب الأسباب ؛ لإعمار الكون وتكامله ، فسخر الشمس تلقي أشعتها على المحيطات ؛ فيتصاعد البخر ثم يسوق الله السحاب ثم ينزل من المطر .

وعندما يشاء الله ينتهي عمر هذا الكون ، فتنكدر النجوم ، وتنشق السماء ؛ و تتمدد الأرض ، ويستجيب الجميع لأمر الله .

{ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار } . ( إبراهيم : 18 ) .

ويقول سبحانه : { أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون } . ( الأنبياء : 30 ) .

ويقول عز شأنه : { إن في خلق السموات والأرضxxv واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون } . ( البقرة : 164 ) .