تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجۡنَ فَتَيَانِۖ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَعۡصِرُ خَمۡرٗاۖ وَقَالَ ٱلۡأٓخَرُ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَحۡمِلُ فَوۡقَ رَأۡسِي خُبۡزٗا تَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِنۡهُۖ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِيلِهِۦٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (36)

قال قتادة : كان أحدهما ساقي الملك ، والآخر خبازه .

قال محمد بن إسحاق : كان اسم الذي على الشراب " نبوا " ، والآخر " مجلث " .

قال السدي : وكان سبب حبس الملك إياهما أنه توهم أنهما تمالآ على سمه في طعامه وشرابه .

وكان{[15164]} يوسف ، عليه السلام ، قد اشتهر في السجن بالجود{[15165]} والأمانة وصدق الحديث ، وحسن السّمت وكثرة العبادة ، صلوات الله عليه وسلامه ، ومعرفة التعبير والإحسان إلى أهل السجن وعيادة

مرضاهم والقيام بحقوقهم . ولما دخل هذان{[15166]} الفتيان إلى السجن ، تآلفا به وأحباه حبا شديدا ، وقالا له : والله لقد أحببناك حبا زائدا . قال{[15167]} بارك الله فيكما ، إنه ما أحبني أحد إلا دخل عليّ من محبته ضرر ، أحبتني عمتي فدخل علي الضرر بسببها ، وأحبني أبي فأوذيت بسببه ، وأحبتني امرأة العزيز فكذلك ، فقالا والله ما نستطيع إلا ذلك ، ثم إنهما رأيا مناما ، فرأى الساقي أنه يعصر خمرا - يعني عنبا - وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود : " إني أراني أعصر عنبا " . ورواه ابن أبي حاتم ، عن أحمد بن سِنَان ، عن يزيد بن هارون ، عن شَرِيك ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن ابن مسعود : أنه قرأها : " أعصر عنبا " .

وقال الضحاك في قوله : { إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا } يعني : عنبا . قال : وأهل عمان يسمُّون العنب خمرا .

وقال عكرمة : رأيت{[15168]} فيما يرى النائم أني غرست حَبَلة من عنب ، فنبتت . فخرج فيه عناقيد ، فعصرتهن ثم سقيتهن الملك . قال{[15169]} تمكث في السجن ثلاثة أيام ، ثم تخرج فتسقيه خمرا .

وقال الآخر - وهو الخباز - : { إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }

والمشهور عند الأكثرين ما ذكرناه ، وأنهما رأيا مناما وطلبا تعبيره .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن وَكِيع وابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : ما رأى صاحبا يوسف شيئا ، إنما كانا تحالما ليجربا عليه .


[15164]:- في ت : "فكان".
[15165]:- في أ : "بالجودة".
[15166]:- في ت : "هذا".
[15167]:- في ت ، أ : "فقال".
[15168]:- في ت : "وقال عكرمة : قال له رأيت".
[15169]:- في ت ، أ : "فقال".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجۡنَ فَتَيَانِۖ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَعۡصِرُ خَمۡرٗاۖ وَقَالَ ٱلۡأٓخَرُ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَحۡمِلُ فَوۡقَ رَأۡسِي خُبۡزٗا تَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِنۡهُۖ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِيلِهِۦٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (36)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَدَخَلَ مَعَهُ السّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنّيَ أَرَانِيَ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الاَخَرُ إِنّي أَرَانِيَ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْهُ نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } .

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : { ودخل مع يوسف السجن فتيان } ، فدلّ بذلك على متروك قد ترك من الكلام ، وهو : { ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينٍ } ، فسجنوه ، وأدخلوه السجن ، { ودخل معه فتيان } ، فاستغنى بدليل قوله : { وَدَخَلَ مَعَهُ السّجْنَ فَتَيانِ } ، على إدخالهم يوسف السجن من ذكره . وكان الفتيان فيما ذكر : غلامين من غلمان ملك مصر الأكبر : أحدهما : صاحب شرابه ، والآخر : صاحب طعامه . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : فطرح في السجن ، يعني : يوسف ، { ودخل معه السجن فتيان } : غلامان كانا للملك الأكبر : الريان بن الوليد ، كان أحدهما على شرابه ، والآخر على بعض أمره ، في سخطة سخطها عليهما ، اسم أحدهما : مجلث ، والآخر : نبو ، ونبو الذي كان على الشراب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَدَخَلَ مَعَهُ السّجْنَ فَتَيانِ } ، قال : كان أحدهما خبازا للملك على طعامه ، وكان الآخر ساقيه على شرابه .

وكان سبب حبس الملك الفتيين ، فيما ذكر ، ما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ ، قال : إن الملك غضب على خبازه ، بلغه أنه يريد أن يسمّه ، فحبسه ، وحبس صاحب شرابه ، ظنّ أنه مالأه على ذلك ، فحبسهما جميعا ؛ فذلك قول الله تعالى : { ودخل معه السجن فتيان } .

وقوله : { قالَ أحَدُهُما إنّي أرَانِي أعْصِرُ خَمْرا } ، ذكر أن يوسف صلوات الله وسلامه عليه لما أدخل السجن ، قال لمن فيه من المحبّسين ، وسألوه عن عمله : إني أعبر الرؤيا ، فقال أحد الفتيين اللذين أدخلا معه السجن لصاحبه : تعال فلنجرّبه . كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ ، قال : لما دخل يوسف السجن قال : أنا أعبر الأحلام . فقال أحد الفتيين لصاحبه : هلمّ نجرّب هذا العبد العبرانيّ نتراءى له ، فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا . فقال الخباز : { إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه } ، { وقال الاَخر : إني أراني أعصر خمرا } .

حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، قال : ما رأى صاحبا يوسف شيئا ، وإنما كانا تحالُما ليجرّبا علمه .

وقال قوم : إنما سأله الفتيان عن رؤيا كانا رأياها على صحة وحقيقة ، وعلى تصديق منهما ليوسف لعلمه بتعبيرها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما رأى الفتيان يوسف ، قالا : والله يا فتى لقد أحببناك حين رأيناك .

قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أن يوسف قال لهم حين قالا له ذلك : أنشدكما الله أن لا تحباني ، فوالله ما أحبني أحد قطّ إلا دخل عليّ من حبه بلاء ، لقد أحبتني عمتي فدخل عليّ من حبها بلاء ، ثم لقد أحبني أبي فدخل عليّ بحبه بلاء ، ثم لقد أحبتني زوجة صاحبي هذا فدخل عليّ بحبها إياي بلاء ، فلا تحباني بارك الله فيكما . قال : فأبيا إلا حبه وإلفه حيث كان ، وجعلا يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله ، وقد كانا رأيا حين أدخلا السجن رؤيا ، فرأى «مجلث » أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه ، ورأى «نبو » أنه يعصر خمرا ، فاستفتياه فيها ، وقالا له : { نَبّئْنا بتأْوِيلِهِ إنّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ } ، إن فعلت .

وعنى بقوله : { أعْصِرُ خَمْرا } ، أي : إني أرى في نومي أني أعصر عنبا . وكذلك ذلك في قراءة ابن مسعود فيما ذكر عنه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي سلمة الصائغ ، عن إبراهيم بن بشير الأنصاريّ ، عن محمد بن الحنفية قال في قراءة ابن مسعود : { إنّي أَرَانِي أعْصِرُ عِنَبا } .

وذكر أن ذلك من لغة أهل عُمان ، وأنهم يسمون العنب خمرا .

ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { إنّي أرَاني أعْصِرُ خَمْرا } ، يقول : أعصر عنبا ، وهو بلغة أهل عُمان ، يسمون العنب خمرا .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : { إنّي أرَاني أعْصِرُ خَمْرا } ، قال : عنبا ، أرض كذا وكذا يدعون العنب خمرا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { إنّي أرَاني أعْصِرُ خَمْرا } ، قال : عنبا .

حُدثت عن المسيب بن شريك ، عن أبي حمزة ، عن عكرمة ، قال : أتاه ، فقال : رأيت فيما يرى النائم أني غرست حَبَلَةً من عنب ، فنبتت ، فخرج فيه عناقيد ، فعصرتهن ، ثم سقيتهنّ الملك ، فقال : تمكث في السجن ثلاثة أيام ، ثم تخرج ، فتسقيه خمرا .

وقوله : { وَقالَ الآخَرُ إني أرَانِي أحْمِلُ فَوْقَ رأسِي خُبْزا تَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْهُ نَبّئْنا بتأْوِيلهِ } ، يقول تعالى ذكره : وقال الآخر من الفتيين : إني أراني في منامي أحمل فوق رأسي خبزا ، يقول : أحمل على رأسي ، فوضعت «فوق » مكان «على » ، { تَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْهُ } ، يعني : من الخبز .

وقوله : { نَبّئْنا بتَأْوِيلِهِ } ، يقول : أخبرنا بما يؤول إليه ما أخبرناك أنا رأيناه في منامنا ويرجع إليه . كما :

حدثني الحارث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا يزيد ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { نَبّئْنا بتَأْوِيلِهِ } ، قال : به . قال الحارث ، قال أبو عبيد ، يعني : مجاهد : أن تأويل الشيء : هو الشيء . قال : ومنه تأويل الرؤيا ، إنما هو الشيء الذي تئول إليه .

وقوله : { إنّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ } ، اختلف أهل التأويل في معنى الإحسان الذي وصف به الفتيان يوسف :

فقال بعضهم : هو أنه كان يعود مريضهم ، ويعزي حزينهم ، وإذا احتاج منهم إنسان جمَع له .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا خلف بن خليفة ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : كنت جالسا معه ببلخ ، فسئل عن قوله : { نَبّئْنا بَتأْوِيلِهِ إنّا نَرَاكَ مِن المُحْسِنِينَ } ، قال : قيل له : ما كان إحسان يوسف ؟ قال : كان إذا مرض إنسان قام عليه ، وإذا احتاج جمع له ، وإذا ضاق أوسع له .

حدثنا إسحاق ، عن أبي إسرائيل ، قال : حدثنا خلف بن خليفة ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك ، قال : سأل رجل الضحاك عن قوله : { إنّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ } ، ما كان إحسانه ؟ قال : كان إذا مرض إنسان في السجن قام عليه ، وإذا احتاج جمع له ، وإذا ضاق عليه المكان أوسع له .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن قتادة ، قوله : { إنّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ } ، قال : بلغنا أن إحسانه أنه كان يداوي مريضهم ، ويعزّي حزينهم ، ويجتهد لربه . وقال : لما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوما قد انقطع رجاؤهم واشتدّ بلاؤهم ، فطال حزنهم ، فجعل يقول : أبشروا واصبروا تؤجروا ، إن لهذا أجرا ، إن لهذا ثوابا ، فقالوا : يا فتى ، بارك الله فيك ما أحسن وجهك وأحسن خلقك ! لقد بورك لنا في جوارك ، ما نحبّ أنا كنا في غير هذا منذ حبسنا لما تخبرنا من الأجر والكفّارة والطهارة ، فمن أنت يا فتى ؟ قال : أنا يوسف ابن صفيّ الله يعقوب ابن ذبيح الله إسحاق بن إبراهيم خليل الله . وكانت عليه محبة ، وقال له عامل السجن : يا فتى ، والله لو استطعت لخليت سبيلك ، ولكن سأحسن جوارك وأحسن إسارك ، فكن في أيّ بيوت السجن شئت .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن خلف الأشجعي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك في : { إنّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ } ، قال : كان يوسع للرجل في مجلسه ، ويتعاهد المرضى .

وقال آخرون : معناه : { إنّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ } ، إذ نبأتنا بتأويل رؤيانا هذه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : استفتياه في رؤياهما ، وقالا له : { نَبَئّنْا بتَأْوِيلِهِ إنّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ } ، إن فعلت .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الضحاك وقتادة .

فإن قال قائل : وما وجه الكلام إن كان الأمر إذن كما قلت ، وقد علمت أن مسألتهما يوسف أن ينبئهما بتأويل رؤياهما ليست من الخبر عن صفته بأنه يعود المريض ويقوم عليه ويحسن إلى من احتاج في شيء ، وإنما يقال للرجل : نبئنا بتأويل هذا فإنك عالم ، وهذا من المواضع التي تحسن بالوصف بالعلم لا بغيره ؟

قيل : إن وجه ذلك أنهما قالا له : نبئنا بتأويل رؤيانا محسنا إلينا في إخبارك إيانا بذلك ، كما نراك تحسن في سائر أفعالك ، { إنا نراك من المحسنين } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجۡنَ فَتَيَانِۖ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَعۡصِرُ خَمۡرٗاۖ وَقَالَ ٱلۡأٓخَرُ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَحۡمِلُ فَوۡقَ رَأۡسِي خُبۡزٗا تَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِنۡهُۖ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِيلِهِۦٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (36)

اتفق جميع القراء على كسر سين { السّجن } هنا بمعنى البيت الذي يسجن فيه ، لأنّ الدخول لا يناسب أن يتعلق إلا بالمكان لا بالمصدر .

وهذان الفتيان هما ساقي المَلك وخبّازُه غضب عليهما الملك فأمر بسجنهما . قيل : اتهما بتسميم الملك في الشراب والطعام .

وجملة { قال أحدهما } ابتداء محاورة ، كما دل عليه فعل القول . وكان تعبير الرؤيا من فنون علمائهم فلذلك أيّد الله به يوسف عليه السّلام بينهم .

وهذان الفتيان توسّما من يوسف عليه السّلام كمال العقل والفهم فظنّا أنه يحسن تعبير الرؤيا ولم يكونا علِما منه ذلك من قبل ، وقد صادفا الصواب ، ولذلك قالا : { إنا نراك من المحسنين } ، أي المحسنين التعبير ، أو المحسنين الفهم .

والإحسان : الإتقان ، يقال : هو لا يحسن القراءة ، أي لا يتقنها . ومن عادة المساجين حكاية المرائي التي يرونها ، لفقدانهم الأخبار التي هي وسائل المحادثة والمحاورة ، ولأنهم يتفاءلون بما عسى أن يبشرهم بالخلاص في المستقبل . وكان علم تعبير الرؤيا من العلوم التي يشتغل بها كهنة المصريين ، كما دل عليه قوله تعالى حكاية عن ملك مصر { أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون } [ سورة يوسف : 43 ] كما سيأتي .

والعصر : الضغط باليد أو بحَجر أو نحوه على شيء فيه رطوبة لإخراج ما فيه من المائع زيتتٍ أو ماءٍ . والعصير : ما يستخرج من المعصور سمي باسم محله ، أي معصور من كذا .

والخبز : اسم لقطعة من دقيق البر أو الشعير أو نحوهما يعجن بالماء ويوضع قرب النار حتى ينضج ليؤكل ، ويسمى رغيفاً أيضاً .

والضمير في بتأويله } للمذكور ، أو للمرئي باعتبار الجنس .

وجملة { إنّا نراك } تعليل لانتفاء المستفاد من { نبّئنا } .