فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجۡنَ فَتَيَانِۖ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَعۡصِرُ خَمۡرٗاۖ وَقَالَ ٱلۡأٓخَرُ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَحۡمِلُ فَوۡقَ رَأۡسِي خُبۡزٗا تَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِنۡهُۖ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِيلِهِۦٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (36)

{ مَّعَ } يدل على معنى الصحبة واستحداثها ، تقول : خرجت مع الأمير ، تريد مصاحباً له ، فيجب أن يكون دخولهما السجن مصاحبين له { فَتَيَانَ } عبدان للملك : خبازه وشرابيه : رقي إليه أنهما يسمانه ، فأمر بهما إلى السجن ، فأدخلا ساعة أدخل يوسف عليه السلام { إِنّى أَرَانِى } يعني في المنام ، وهي حكاية حال ماضية { أَعْصِرُ خَمْرًا } يعني عنباً ، تسمية للعنب بما يؤول إليه . وقيل : الخمر - بلغة عمان - : اسم للعنب . وفي قراءة ابن مسعود «أعصر عنباً » { مّنَ المحسنين } من الذين يحسنون عبارة الرؤيا ، أي : يجيدونها ، رأياه يقصّ عليه بعض أهل السجن رؤياه فيؤوّلها له ، فقالا له ذلك . أو من العلماء ، لأنهما سمعاه يذكر للناس ما علما به أنه عالم . أو من المحسنين إلى أهل السجن . فأحسن إلينا بأن تفرّج عنا الغمة بتأويل ما رأينا إن كانت لك يد في تأويل الرؤيا . روي أنه كان إذا مرض رجل منهم قام عليه ، وإذا أضاق وسع له ، وإذا احتاج جمع له . وعن قتادة : كان في السجن ناس قد انقطع رجاؤهم وطال حزنهم ، فجعل يقول : أبشروا اصبروا تؤجروا ، إنّ لهذا لأجراً ، فقالوا : بارك الله عليك ما أحسن وجهك وما أحسن خلقك ! لقد بورك لنا في جوارك ، فمن أنت يا فتى ؟ قال : أنا يوسف ابن صفي الله يعقوب ابن ذبيح الله إسحاق ابن خليل الله إبراهيم ، فقال له عامل السجن : لو استطعت خليت سبيلك ، ولكني أحسن جوارك ، فكن في أي بيوت السجن شئت . وروي أن الفتيين قالا له إنا لنحبك من حين رأيناك ، فقال : أنشدكما بالله أن لا تحباني ، فوالله ما أحبني أحد قط إلا دخل عليّ من حبه بلاء ، لقد أحبتني عمتي فدخل عليّ من حبها بلاء ، ثم أحبني أبي فدخل عليّ من حبه بلاء ، ثم أحبتني زوجة صاحبي فدخل عليّ من حبها بلاء ، فلا تحباني - بارك الله فيكما - وعن الشعبي أنهما تحالما له ليمتحناه فقال الشرابي ؛ إني أراني في بستان ، فإذا بأصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب ، فقطفتها وعصرتها في كأس الملك ، وسقيته . وقال الخباز : إني أراني وفوق رأسي ثلاث سلال فيها أنواع الأطعمة ، وإذا سباع الطير تنهش منها . فإن قلت : إلام يرجع الضمير في قوله : { نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } ؟ قلت : إلى ما قصا عليه . والضمير يجري مجرى اسم الإشارة في نحوه كأنه قيل : نبئنا بتأويل ذلك .