النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجۡنَ فَتَيَانِۖ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَعۡصِرُ خَمۡرٗاۖ وَقَالَ ٱلۡأٓخَرُ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَحۡمِلُ فَوۡقَ رَأۡسِي خُبۡزٗا تَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِنۡهُۖ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِيلِهِۦٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (36)

قوله عز وجل : { ودخَلَ معه السجن فتيان }{[1465]} قال ابن عباس :

كان أحدهما خازن الملك على طعامه ، وكان الآخر ساقي الملك على شرابه ، وكان الملك وهو الملك الأكبر الوليد بن الرّيان قد اتهمهما بسمّه فحبسهما ، فحكى مجاهد أنهما قالا ليوسف لما حُبسا معه : والله لقد أحببناك حين رأيناك ، فقال يوسف : أنشدكما بالله أن أحببتماني فما أحبّني أحد إلا دخل عليّ من حبه بلاء ، لقد أحبتني عمتي فدخل عليّ من حبها بلاء ، ثم أحبني أبي فدخل عليّ من حبه بلاء ، ثم أحبتني زوجة صاحبي العزيز فدخل عليّ من حبها بلاء ، لا أريد أن يحبني إلا ربي .

وقال { فتيان } لأنهما كان عبدين ، والعبد يسمى فتى صغيراً كان أم كبيراً .

{ قال أحدهما إني أراني أعصر خمراً وقال الآخر إني أراني أحملُ فوق رأسي خُبزاً تأكل الطير منه } وسبب قولهما ذلك ما حكاه ابن جرير الطبري أنهما سألاه عن علمه فقال : إني أعبر الرؤيا ، فسألاه عن رؤياهما وفيها ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنها كانت رؤيا صدق رأياها{[1466]} وسألاه عنها قال مجاهد وابن إسحاق وكذلك صدق تأويلها . روى محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً " .

الثاني : أنها كانت رؤيا كذب سألاه عنها تجربة ، فلما أجابهما قالا : إنما كنا نلعب فقال { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } وهذا معنى قول ابن مسعود والسدي .

الثالث : أن المصلوب منهما كان كاذباً ، والآخر صادقاً ، قاله أبو مجلز .

وقوله : { إني أراني أعصر خمراً } أي عنباً . وفي تسميته خمراً وجهان :

أحدهما : لأن عصيره يصير خمراً فعبر عنه بما يؤول إليه .

الثاني : أن أهل عُمان يسمون العنب خمراً ، قال الضحاك . وقرأ ابن مسعود : إني أراني أعصر عنباً .

{ نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين } فيه ستة أقاويل :

أحدها : أنهم وصفوه بذلك لأنه كان يعود مريضهم ويعزي حزينهم ويوسع على من ضاق مكانه منهم ، قاله الضحاك .

الثاني{[1467]} : معناه لأنه كان يأمرهم بالصبر ويعدهم بالثواب والأجر .

الثالث : إنا نراك ممن أحسن العلم . حكاه ابن جرير الطبري .

الرابع : أنه كان لا يرد عذر معتذر .

الخامس : أنه كان يقضي حق غيره ولا يقضي حق نفسه .

السادس{[1468]} : إنا نراك من المحسنين إن أنبأتنا بتأويل رؤيانا هذه ، قاله ابن إسحاق .


[1465]:ذكر الثعلبي عن كعب أن اسم الساقي منحا، واسم الخباز مجلث. وقال النقاش: أحدهما شرهم والآخر سرهم الأول بالإعجام والثاني بالإهمال.
[1466]:في ك رآها وهو تحريف.
[1467]:سقط من ق.
[1468]:سقط من ق.