قوله تعالى : " ودخل معه السجن فتيان " " فتيان " تثنية فتى ، وهو من ذوات الياء ، وقولهم : الفتو شاذ{[9108]} . قال وهب وغيره : حمل يوسف إلى السجن مقيدا على حمار ، وطيف به " هذا جزاء من يعصي سيدته " وهو يقول : هذا أيسر من مقطعات{[9109]} النيران ، وسرابيل القطران ، وشراب الحميم ، وأكل الزقوم . فلما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوما قد انقطع رجاؤهم ، واشتد بلاؤهم ، فجعل يقول لهم : اصبروا وابشروا تؤجروا ، فقالوا له : يا فتى ! ما أحسن حديثك ! لقد بورك لنا في جوارك ، من أنت يا فتى ؟ قال : أنا يوسف ابن صفي الله يعقوب ، ابن ذبيح{[9110]} الله إسحاق ، ابن خليل الله إبراهيم . وقال ابن عباس : لما قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني ، وأنا أريد أن تسجنه ، فسجنه في السجن ، فكان يعزي فيه الحزين ، ويعود فيه المريض ، ويداوي فيه الجريح ، ويصلي الليل كله ، ويبكي حتى تبكي معه جدر البيوت وسقفها والأبواب ، وطهر به السجن ، واستأنس به أهل السجن ، فكان إذا خرج الرجل من السجن رجع حتى يجلس{[9111]} في السجن مع يوسف ، وأحبه صاحب السجن فوسع عليه فيه ، ثم قال له{[9112]} : يا يوسف ! لقد أحببتك . حبا لم أحب شيئا حبك ، فقال : أعوذ بالله من حبك ، قال : ولم ذلك ؟ فقال : أحبني أبي ففعل بي إخوتي ما فعلوه ، وأحبتني سيدتي فنزل بي ما ترى ، فكان في حبسه حتى غضب الملك على خبازه وصاحب شرابه ، وذلك أن الملك عمر فيهم فملوه ، فدسوا إلى خبازه وصاحب شرابه أن يسماه جميعا ، فأجاب الخباز وأبى صاحب الشراب ، فانطلق صاحب الشراب فأخبر الملك بذلك ، فأمر الملك بحبسهما ، فاستأنسا بيوسف ، فذلك قوله : " ودخل معه السجن فتيان " وقد قيل : إن الخباز وضع السم في الطعام ، فلما حضر الطعام قال الساقي : أيها الملك ! لا تأكل فإن الطعام مسموم . وقال الخباز : أيها{[9113]} الملك لا تشرب ! فإن الشراب مسموم ، فقال الملك للساقي : اشرب ! فشرب فلم يضره ، وقال للخباز : كل فأبى ، فجرب الطعام على حيوان فنَفَقَ مكانَه ، فحبسهما سنة ، وبقيا في السجن تلك المدة مع يوسف . واسم الساقي منجا ، والآخر مجلث ، ذكره الثعلبي عن كعب . وقال النقاش : اسم أحدهما شرهم ، والآخر سرهم ، الأول ، بالشين المعجمة ، والآخر بالسين المهملة . وقال الطبري : الذي رأى أنه يعصر خمرا هو نبو ، قال السهيلي : وذكر اسم الآخر ولم أقيده . وقال " فتيان " لأنهما كانا عبدين ، والعبد يسمى فتى ، صغيرا كان أو كبيرا ، ذكره الماوردي . وقال القشيري : ولعل الفتى كان اسما للعبد في عرفهم ؛ ولهذا قال : " تراود فتاها عن نفسه " [ يوسف : 30 ] . ويحتمل أن يكون الفتى اسما للخادم وإن لم يكن مملوكا . ويمكن أن يكون حبسهما مع حبس يوسف أو بعده أو قبله ، غير أنهما دخلا معه البيت الذي كان فيه . " قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله " " قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا " أي عنبا ، كان يوسف قال لأهل السجن . إني أعبر الأحلام ، فقال أحد الفتيين لصاحبه : تعال حتى نجرب هذا العبد العبراني ، فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا ، قاله ابن مسعود . وحكى الطبري أنهما سألاه عن علمه فقال : إني أعبر الرؤيا ، فسألاه عن رؤياهما . قال ابن عباس ومجاهد : كانت رؤيا صدق رأياها وسألاه عنها ، ولذلك صدق تأويلها . وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ) . وقيل : إنها كانت رؤيا كذب سألاه عنها تجريبا ، وهذا قول ابن مسعود والسدي . وقيل : إن المصلوب منهما كان كاذبا ، والآخر صادقا ، قاله أبو مجلز . وروى الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : ( من تحلم كاذبا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين [ ولن يعقد بينهما ]{[9114]} ) . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح وعن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد شعيرة ) . قال : حديث حسن . قال ابن عباس : لما رأيا رؤياهما أصبحا مكروبين ، فقال لهما يوسف : مالي أراكما مكروبين ؟ قالا : يا سيدنا ! إنا رأينا ما كرهنا ، قال : فقصا علي ، فقصا عليه ، قالا : نبئنا بتأويل ما رأينا ، وهذا يدل على أنها كانت رؤيا منام . " إنا نراك من المحسنين " فإحسانه ، أنه كان يعود المرضى ويداويهم ، ويعزي الحزانى ، قال الضحاك : كان إذا مرض الرجل من أهل السجن قام به ، وإذا ضاق وسع له ، وإذا احتاج جمع له ، وسأل له . وقيل : " من المحسنين " أي العالمين الذين أحسنوا العلم ، قاله الفراء . وقال ابن إسحاق : " من المحسنين " لنا إن فسرته ، كما يقول : افعل كذا وأنت محسن . قال : فما رأيتما ؟ قال الخباز : رأيت كأني اختبزت في ثلاثة تنانير ، وجعلته في ثلاث سلال ، فوضعته على رأسي فجاء الطير فأكل منه . وقال الآخر : رأيت كأني أخذت ثلاثة عناقيد من عنب أبيض ، فعصرتهن في ثلاث أوان ، ثم صفيته فسقيت الملك كعادتي فيما مضى ، فذلك قوله : " إني أراني أعصر خمرا " أي عنبا ، بلغة عمان ، قاله الضحاك . وقرأ ابن مسعود : " إني أراني أعصر عنبا " . وقال الأصمعي : أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابيا ومعه عنب فقال له : ما معك ؟ قال : خمر . وقيل : معنى . " أعصر خمرا " أي عنب خمر ، فحذف المضاف . ويقال : خَمْرة وخَمْر وخُمُور ، مثل تمرة وتمر وتمور .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.