الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجۡنَ فَتَيَانِۖ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَعۡصِرُ خَمۡرٗاۖ وَقَالَ ٱلۡأٓخَرُ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَحۡمِلُ فَوۡقَ رَأۡسِي خُبۡزٗا تَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِنۡهُۖ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِيلِهِۦٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (36)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ودخل معه السجن فتيان } قال أحدهما خازن الملك على طعامه ، والآخر ساقيه على شرابه .

وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه مثله .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحق رضي الله عنه قال : في قوله { ودخل معه السجن فتيان } قال : غلامان كانا للملك الأكبر الريان بن الوليد ، كان أحدهما على شرابه والآخر على بعض أمره في سخطة سخطها عليهما ، اسم أحدهما مجلب ، والآخر نبوا الذي كان على الشراب . فلما رأياه قالا : يا فتى ، والله لقد أحببناك حين رأيناك ، قال ابن إسحق : فحدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد رضي الله عنه ، أن يوسف عليه الصلاة والسلام قال لهما حين قالا له ذلك : أنشدكما بالله أن لا تحباني ، فوالله ما أحبني أحد قط إلا دخل علي من حبه بلاء . قد أحبتني عمتي فدخل علي من حبها بلاء ، ثم أحبني أبي فدخل علي بحبه بلاء ، ثم أحبتني زوجة صاحبي فدخل علي بمحبتها إياي بلاء . فلا تحباني بارك الله فيكما ، فأبيا إلا حبه وألفه حيث كان ، وجعل يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله . وقد كانا رأيا حين ادخلا السجن رؤيا ، فرأى مجلب أنه رأى فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه ، ورأى نبوا أنه يعصر خمراً ، فاستفتياه فيها وقالا له { نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين } إن فعلت فقال لهما { لا يأتيكما طعام ترزقانه } يقول في نومكما { إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما } ثم دعاهما إلى الله وإلى الإسلام فقال { يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار } أي خير أن تعبدوا ، إلهاً واحداً أم آلهة متفرقة لا تغني عنكم شيئاً ؟ . . . . ثم قال لمجلب : أما أنت فتصلب فتأكل الطير من رأسك . وقال لنبوا أما أنت ، فترد على عملك ويرضى عنك صاحبك ، { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } .

وأخرج وكيع في الغرر ، عن عمرو بن دينار قال : قال يوسف عليه السلام : ما لقي أحد في الحب ما لقيت ، أحبني أبي فألقيت في الجب ، وأحبتني امرأة العزيز ، فألقيت في السجن .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إني أراني أعصر خمراً } قال عنباً .

وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري وأبو الشيخ وابن مردويه ، من طرق عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنه قرأ [ إني أراني أعصر عنباً ] وقال : والله لقد أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { إني أراني أعصر خمراً } يقول : أعصر عنباً ، وهو بلغة أهل عمان ، يسمون العنب خمراً .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه { نبئنا بتأويله } قال : عبارته .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله { إني أراني أعصر خمراً } قال : هو بلغة عمان . وفي قوله { إنا نراك من المحسنين } قال : كان إحسانه فيما ذكر لنا أنه كان يعزي حزينهم ويداوي مريضهم ، ورأوا منه عبادة واجتهاداً فأحبوه به ، وقال لما انتهى يوسف عليه السلام إلى السجن ، وجد فيه قوماً قد انقطع رجاؤهم ، واشتد بلاؤهم ، وطال حزنهم ، فجعل يقول : أبشروا ، اصبروا تؤجروا ، إن لهذا أجراً ، إن لهذا ثواباً . فقالوا : يا فتى ، بارك الله فيك . ما أحسن وجهك ، وأحسن خلقك ، وأحسن خلقك ! . . . لقد بورك لنا في جوارك ، إنا كنا في غير هذا منذ حبسنا لما تخبرنا من الأجر والكفارة والطهارة ، فمن أنت يا فتى ؟ ! ! ! . . . قال : أنا يوسف ابن صفي الله يعقوب ابن ذبيح الله إسحق ابن خليل الله إبراهيم ، عليهم الصلاة والسلام ، وكانت عليه محبة . وقال له عامل السجن : يا فتى ، والله لو استطعت لخليت سبيلك ، ولكن سأحسن جوارك ، وأحسن آثارك ، فكن في أي بيوت السجن شئت .

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : دعا يوسف عليه السلام لأهل السجن فقال : « اللهم لا تعم عليهم الأخبار ، وهون عليهم مر الأيام » .

وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان ، عن الضحاك رضي الله عنه ؛ أنه سئل عن قوله { إنا نراك من المحسنين } ما كان إحسان يوسف عليه السلام ؟ قال : كان إذا مرض إنسان في السجن قام عليه ، وإذا ضاق عليه المكان أوسع له ، وإذا احتاج جمع له .