تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجۡنَ فَتَيَانِۖ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَعۡصِرُ خَمۡرٗاۖ وَقَالَ ٱلۡأٓخَرُ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَحۡمِلُ فَوۡقَ رَأۡسِي خُبۡزٗا تَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِنۡهُۖ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِيلِهِۦٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (36)

وقوله تعالى : ( ودخل معه السجن فتيان ) الفتيان : قيل : عبدان[ في الأصل وم : عبدين ] للملك ، غضب عليهما الملك ( قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً ) قال بعضهم : أرض ، يدعى العنب بها خمرا ، أو سمي خمرا باسم سببه أو باسم أصله . وجائز في اللغة تسمية الشيء باسم سببه أو باسم أصله .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] ( وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا ) كان أحدهما خباز الملك ، والآخر ساقيه ( نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ ) قال بعضهم : إحسانه في السجن لما كانوا رأوه يداوي المرضى ، ويعزي حزينهم ، ويجتهد في نفسه في العبادة لربه . هذا يحتمل ، [ أو ][ ساقطة من الأصل وم ] لعله كان يبر أهل السجن ، ويصلهم ، ويجتهد في العبادة لله في الصلاة له والصوم وأنواع العبادة التي تكون في ما بينه وبين ربه ، فسمياه[ في الأصل وم : فسماه ] محسنا لذلك .

ويشبه أن يكون [ ما ][ ساقطة من الأصل وم ] قالوا : ( إنا نراك من المحسنين ) لما آتاه ربه سيماء الخير وآثاره ، أو يدعوهم إلى توحيد الله والعبادة له [ وخلع أنفسهم ][ في الأصل وم : وخلقهم ] عن عبادة الأصنام والأوثان والانتزاع من ذلك ، فسموه[ في الأصل وم : فسمياه ] محسنا لذلك .

ويحتمل قوله تعالى : ( إنا نراك من المحسنين ) لما رأوه أحسن إلى أهل السجن ، ويحتمل الإحسان ههنا العلم : إنا نراك من العالمين ، وهو قول الفراء .

وقوله تعالى : ( نبئنا بتأويله ) سمى التعبير تأويلا ؛ لأن التأويل هو الإخبار عن العواقب . لذلك سمياه[ في الأصل وم : سموا ] تأويلا ، ثم خرج تأويل الذي كان بعصر الخمر على العود إلى ما كان في أمره من السقي للملك ، وهو كان ساقيه على ما ذكرنا . فلما رأى أنه دام على أمره بالعود إلى أمره الذي كان فيه .

والآخر كان خبازا على ما ذكر ، وهو إنما كان يخبز للناس . فلما رأى أنه حمل الخبز على رأسه ، وأنه تأكل الطير منه ، علم أنه يخرج من الأمر الذي كان فيه . وخروجه يكون بهلاكه ، لأنه كان /252-بن قبل يخبز للناس ، فصار يخبز لغيرهم . فاستدل بذلك على خروجه من أمره وعمله . لكنه أخبر أنه يصلب لأنه كان قائما منتصبا ، فأول على ما كان أمره ، والله أعلم .