{ ودخل معه السجن فتيان } وهما غلامان كانا للوليد بن نزوان العمليقي ملك مصر الأكبر أحدهما خبازه صاحب طعامه ، والآخر ساقيه صاحب شرابه غضب الملك عليهما فحبسهما وكان السبب فيه أنّ جماعة من أشراف مصر أرادوا المكر بالملك واغتياله وقتله ، فضمنوا لهذين الغلامين مالاً على أن يسما الملك في طعامه وشرابه فأجابا إلى ذلك ثم أنّ الساقي ندم ورجع عن ذلك ، وقبل الخباز الرشوة وسم الطعام فلما حضر الطعام بين يدي الملك قال الساقي : لا تأكل أيها الملك فإنّ الطعام مسموم فقال الخباز : لا تشرب فإنّ الشراب مسموم . فقال الملك للساقي اشرب فشرب فلم يضره ، وقال للخباز : كل من طعامك فأبى فأطعم من ذلك الطعام : دابة فهلكت ، فأمر بحبسهما ، وكان يوسف عليه السلام حين دخل السجن قال لأهله : إني أعبر الأحلام ، فقال أحد الفتيين لصاحبه : هلم فلنجرّب هذا العبد العبراني فنتراءى له رؤيا قال ابن مسعود : وما رأيا شيئاً وإنما تحالما ليجربا يوسف وقال قوم : بل كانا رأيا حقيقة فرآهما يوسف وهما مهمومان فسألهما عن شأنهما فذكر أنهما صاحبا الملك حبسهما وقد رأيا رؤيا غمتهما ، فقال يوسف : قصا عليّ ما رأيتما { قال أحدهما } وهو صاحب شراب الملك { إني أراني أعصر خمراً } . فإني قيل : كيف يعقل عصر الخمر ؟ أجيب : عن ذلك بثلاثة أقوال :
أحدها : أن يكون المعنى أعصر عنب خمر ، أي : العنب الذي يكون عصيره خمراً فحذف المضاف .
الثاني : إن العرب تسمي الشيء باسم ما يؤول إليه تقول : فلان يطبخ دبساً وهو يطبخ عصيراً .
الثالث : قال أبو صالح : أزد وعمان يسمون العنب بالخمر فوقعت هذه اللفظة إلى أهل مكة فنطقوا بها . قال الضحاك : نزل القرآن بألسنة جميع العرب وذلك أنه قال : إني رأيت في المنام كأني في بستان وإذا فيه شجرة فيها ثلاثة أغصان عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها وكان كأس الملك بيدي فعصرتها فيه ، وسقيت الملك فشربه { وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه } وذلك أنه قال : رأيت في المنام كأنّ فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز وألوان الطعام وسباع الطير تنهش منه { نبئنا } ، أي : أخبرنا { بتأويله } ، أي : بتفسيره { إنا نراك من المحسنين } ، أي : في علم التفسير ؛ لأنه متى عبر لم يخطئ كما قال : { وعلمتني من تأويل الأحاديث } [ يوسف ، 101 ] وقيل : في أمر الدين ؛ لأنه كان شديد المواظبة على الطاعات من الصوم والصلاة ، فإنه كان يصوم النهار ويقوم الليل كله ، ومن كان كذلك فإنه يوثق بما يقوله في تعبير الرؤيا وفي سائر الأمور ، وقيل : في حق الشركاء والأصحاب ؛ لأنه كان يعود مرضاهم ويؤنس حزينهم ، وإذا ضاق على أحدهم وسع عليه وإذا احتاج أحدهم جمع له شيئاً ، قيل : إنه لما دخل السجن وجد قوماً اشتدّ بلاؤهم وانقطع رجاؤهم وطال حزنهم فجعل يسكنهم ويقول : اصبروا وأبشروا تؤجروا فيقولون : بارك الله فيك يا فتى ما أحسن وجهك وخلقك وحديثك لقد بورك لنا في جوارك فمن أنت يا فتى ؟ قال : أنا يوسف بن صفيّ الله يعقوب بن ذبيح الله إسحاق بن خليل الله إبراهيم ، فقال له عامل السجن : والله يا فتى لو استطعت لخليت سبيلك ، ولكن سأحسن جوارك فكن في أي بيوت السجن شئت .
وروي أنّ الفتيين لما رأيا يوسف قالا : لقد أحببناك حين رأيناك ، فقال لهما يوسف : أنشدكما الله أن لا تحباني فوالله ما أحبني أحد قط إلا دخل عليّ من حبه بلاء ، لقد أحبتني عمتي فدخل عليّ بلاء ثم أحبني أبي فألقيت في الجب ، وأحبتني امرأة العزيز فحبست ، فلما قصا عليه الرؤيا كره يوسف أن يعبر لهما ما سألاه لما علم في ذلك من المكروه على أحدهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.