تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ} (43)

هذه الرؤيا من مَلك مصر مما قَدّر الله تعالى أنها كانت سببا لخروج يوسفَ ، عليه السلام ، من السجن مُعزَّزًا مكرما ، وذلك أن المَلك رأى هذه الرؤيا ، فهالته وتَعجَّب من أمرها ، وما يكون تفسيرها ، فجمع الكهنة والحُزَاة وكبراء دولته وأمراءه وقَصَّ عليهم ما رأى ، وسألهم عن تأويلها ، فلم يعرفوا ذلك ، واعتذروا إليه بأن هذه { أَضْغَاثُ أَحْلامٍ } أي : أخلاط اقتضت رؤياك هذه{[15192]} { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحْلامِ بِعَالِمِينَ } أي : ولو كانت رؤيا صحيحة من أخلاط ، لما كان لنا معرفة بتأويلها ، وهو تعبيرها . فعند ذلك تَذَكَّرَ ذلك الذي نجا من ذينك الفتيين اللذين{[15193]} كانا في السجن مع يوسف ، وكان الشيطان قد أنساه ما وصّاه به يوسف ، من ذكر أمره للملك ، فعند ذلك تذكر { بَعْدَ أُمَّةٍ } أي : مدة - وقرأ بعضهم : " بعد أَمِةٍ " أي : بعد نسيان ، فقال للملك والذين جمعهم لذلك : { أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ } أي : بتأويل هذا المنام ، { فَأَرْسِلُونِ } أي : فابعثون إلى يوسف الصديق إلى السجن . ومعنى الكلام : فبعثوا{[15194]} فجاء . فقال : { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا } وذكر المنام الذي رآه الملك ، فعند ذلك ذكر له يوسف ، عليه السلام ، تعبيرها من غير تعنيف لذلك الفتى في نسيانه ما وصاه به ، ومن غير اشتراط للخروج قبل ذلك ، بل قال : { تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا } أي{[15195]} يأتيكم الخصب والمطر سبع سنين متواليات ، ففسر البقر بالسنين ؛ لأنها تثير الأرض التي تُسْتغل منها الثمرات والزروع ، وهن السنبلات الخضر ، ثم أرشدهم إلى ما يعتمدونه في تلك السنين فقال : { فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ } أي : مهما استغللتم{[15196]} في هذه السبع السنين الخصب فاخزنوه في سنبله ، ليكون أبقى له وأبعد عن إسراع الفساد إليه ، إلا المقدار الذي تأكلونه ، وليكن قليلا قليلا لا تسرفوا فيه ، لتنتفعوا في السبع الشداد ، وهن السبع السنين المُحْل التي تعقب هذه السبع متواليات ، وهن البقرات العجاف اللاتي يأكلن السِّمان ؛ لأن سني{[15197]} الجَدْب يؤكل فيها ما جَمَعَوه في سني{[15198]} الخصب ، وهن السنبلات اليابسات .

وأخبرهم أنهن لا ينبتن شيئا ، وما بذروه فلا يرجعون منه إلى شيء ؛ ولهذا قال : { يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ }

ثم بشرهم بعد الجَدْب العام المتوالي بأنه يعقبهم بعد ذلك { عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ } أي : يأتيهم الغيث ، وهو المَطرُ ، وتُغل البلاد ، ويَعصرُ الناس ما كانوا يعصرون على عادتهم ، من زيت ونحوه ، وسكر ونحوه حتى قال بعضهم : يدخل{[15199]} فيه حلب اللبن أيضًا .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس { وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } يحلبون .


[15192]:- في ت ، أ : "رؤيا في هذا".
[15193]:- في ت : "الذي".
[15194]:- في ت : "فبعثوه".
[15195]:- في ت : "إذ".
[15196]:- في ت ، أ : "استغليتم".
[15197]:- في ت ، أ : "سنين".
[15198]:- في ت ، أ : "سنين".
[15199]:- في ت ، أ : "ويدخل".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الْمَلِكُ إِنّيَ أَرَىَ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَأَيّهَا الْمَلاُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرّؤْيَا تَعْبُرُونَ } .

يعني جلّ ذكره بقوله : وقال ملك مصر إنّي أرَى في المنام سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنّ سَبْعٌ من البقر عِجافٌ . وقال : «إني أرى » ، ولم يذكر أنه رأى في منامه ولا في غيره ، لَتَعارُف العرب بينها في كلامها إذا قال القائل منهم : أرى أني أفعل كذا وكذا أنه خبر عن رؤيته ذلك في منامه وإن لم يذكر النوم . وأخرج الخبر جلّ ثناؤه على ما قد جرى به استعمال العرب ذلك بينهم . وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ يقول : وأرى سبع سنبلات خضر في منامي . وأُخَرَ يقول : وسبعا أخر من السنبل يابِساتٍ يَأيّها المَلأُ يقول : يا أيّها الأشراف من رجالي وأصحابي أفْتُونِي فِي رُؤْيايَ فاعْبرُوها إنْ كُنْتُمْ للرّؤْيا عَبرَة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ ، قال : إن الله أرى الملك في منامه رؤيا هالته ، فرأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات . فجمع السحرةَ والكهنةَ والحُزاةَ والقافَة ، فقصها عليهم . فقالُوا أضْغاثُ أحْلامٍ وَما نَحْنُ بَتأْوِيلِ الأحْلامِ بِعالِمِينَ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثم إن الملك الرّيّان بن الوليد رأى رؤياه التي رأى ، فهالته ، وعرف أنها رؤيا واقعة ، ولم يدر ما تأويلها فقال للملإ حوله من أهل مملكته : إنّي أرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سمِانٍ يَأْكُلُهُنّ سَبْعٌ عِجافٌ . . . إلى قوله : بِعالِمِينَ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ} (43)

المعنى : { وقال الملك } الأعظم : { إني أرى } يريد في منامه ، وقد جاء ذلك مبيناً في قوله تعالى : { إني أرى في المنام أني أذبحك }{[6695]} . وحكيت حال ماضية ف { أرى } وهو مستقبل من حيث يستقبل النظر في الرؤيا{[6696]} . { سبع بقرات سمان } يروى أنه قال : رأيتها خارجة من نهر ، وخرجت وراءها { سبع عجاف } ، فرأيتها أكلت تلك السمان حتى حصلت في بطونها ورأى «السنابل » أيضاً كما ذكر ، و «العجاف » التي بلغت غاية الهزال ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]

ورجال مكة مسنتون عجاف{[6697]}*** ثم قال لجماعته وحاضريه : { يا أيها الملأ أفتوني } .

قرأت فرقة بتحقيق الهمزتين ، وقرأت فرقة بأن لفظت بألف «أفتوني » واواً .

وقوله : { للرؤيا } دخلت اللام لمعنى التأكيد والربط ، وذلك أن المفعول إذا تقدم حسن في بعض الأفعال أن تدخل عليه لام ، وإذا تأخر لم يحتج الفعل إلى ذلك . و «عبارة الرؤيا » مأخوذة من عبر النهر ، وهو تجاوزه من شط إلى شط ، فكأن عابر الرؤيا ينتهي إلى آخر تأويلها .


[6695]:من الآية (102) من سورة (الصافات)، ومما يلفت النظر أن ابن عطية أحال على تفسير الرؤيا على آية الصافات هنا، وكان الأولى أن يحيل عندما ذكر له الفتيان ما رآه منهما.
[6696]:معنى ذلك أن (أرى) حكاية حال ماضية، ولذلك جاءت بلفظ المضارع الذي يدل على الاستقبال دون (رأيت) التي تدل على الزمن الماضي. وتأمل كيف جعل الله لرؤيا ليوسف في أول أمره مع أبيه وإخوته بلاء وشدة، ثم جعلها آخرا من هذا الملك بشرى ورحمة.
[6697]:البيت لابن الزبعرى، وهو بتمامه: عمرو العلا شهم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف ومسنتون: أصابهم سنة وقحط وأجدبوا، وفي حديث أبي تميمة: (الله الذي إذا أسنت أنبت لك)، أي: إذا أجدبت أخصب لك. وعجاف: بلغوا غاية الهزال والضعف.