تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ} (43)

وقوله تعالى : ( وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ) ذكر أنه رأى [ وليس فيه ذكر أنه رأى ][ من م ، ساقطة من الأصل ] في المنام . ولكن ذكر في آخره[ من م ، في الأصل : آخر ] الرؤيا . دل أنه رأى في المنام بقوله : ( أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) وفيه أن من الرؤيا ما هو حق[ من م ، في الأصل : أحق ] ، ولها حقيقة ، ومنها [ ما هو ][ ساقطة من الأصل وم ] باطل ، لا حقيقة لها ؛ لأنه قال : ( أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) ( قالوا أضغاث أحلام )[ الآية : 44 ] .

فكانت الرؤيا ، هي حق ، ولها حقيقة بتأويل عواقبها . وقوله[ في الأصل وم : و ] ( أضغاث أحلام ) لا حقيقة لها .

وقوله تعالى : ( إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ) أما البقرات فهي[ الفاء ساقطة من الأصل وم ] ، السنون ، والسمان هي المخصبات الواسعات ( يأكلهن سبع عجاف ) العجاف هن المجدبات ( وسبع سنبلات خضر ) السنبلات سنبلات ، و( خضر ) عبارة عما يحصد ( وأخر يابسات ) عبارة عما لا يحصد .

وفيه[ الواو ساقطة من الأصل وم ] دلالة أن من الرؤيا ما تكون مصرحا [ بها مشارا ][ في الأصل : مشار ، في م : مشارا إليها ] تعرف بالبديهة ، ومنها ما تكون [ عبارة مبهمة غير مفسرة ][ في الأصل وم : كناية مبهما غير مفسر ] لا تعلم إلا بالنظر فيها والتفكر و التأمل ؛ لأنه قال : ( أرى سبع بقرات سمان ) و( سبع ) هو سبع لا غير ، و( بقرات ) هن كناية عن السنين ، وسمان كناية عن الخصب والسعة ( يأكلهن ) على حقيقة الأكل وكذلك ( سبع عجاف ) السبع هو سبع لا غير و( عجاف ) كناية عن الشدة والجدب ( وسبع سنبلات ) هن عين السنبلات ، و( خضر ) هو كناية عما يحصد ، و( أخر يابسات ) كناية عما لا يكون فيه ما يحصد .

ففيه أن من الخطاب ما يكون مصرحا [ به ][ ساقطة من الأصل وم ] مبينا مشارا إليه ، يفهم المراد منه بالبديهة وقت قرع الخطاب السمع ، ومنه ما يكون مبهما غير مفسر . فهو على وجهين :

[ أحدهما ][ ساقطة من الأصل وم ] : ما يفهم بالنظر والتفكر .

[ والثاني : لا يفهم بالبديهة ولا بالنظر والتأمل فيه والتفكر ][ من م ، ساقطة من الأصل ] إلا ببيان ، يقرن به سوى ذلك .

على هذا تخرج المخاطبات في ما بين الله وبين الخلق ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) خاطب الأشراف من قومه والعلماء بقوله : ( يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي ) على ما ذكرنا في ما تقدم أن الملأ هو اسم للأشراف منهم والرؤساء ، وهكذا العادة في الملوك إنما يخاطبون أعقلهم وأعظمهم منزلة عندهم ، وأكرم [ مثوى لهم ][ في الأصل وم : مثواهم ] .

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) أنه إنما رأى ذلك في المنام ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( أفتوني في رؤياي ) الآية كأنه نهاهم أن يتكلفوا التعبير للرؤيا التي رآها ، إذا لم يكن لهم بها علم ، وكذلك الواجب على كل من سئل[ في الأصل وم : سأل ] عن شيء ، لا يعلم ، ألا يشتغل به ولا يتكلف علمه إذا لم يكن له به علم حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا/253-ب/ تَعْبُرُونَ ) .