الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ} (43)

قوله تعالى : " وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان " لما دنا فرج يوسف عليه السلام رأى الملك رؤياه ، فنزل جبريل فسلم على يوسف وبشره بالفرج وقال : إن الله مخرجك من سجنك ، وممكن لك في الأرض ، يذل لك ملوكها ، ويطيعك جبابرتها ، ومعطيك الكلمة العليا على إخوتك ، وذلك بسبب رؤيا رآها الملك ، وهي كيت وكيت ، وتأويلها كذا وكذا ، فما لبث في السجن أكثر مما رأى الملك الرؤيا حتى خرج ، فجعل الله الرؤيا أولا ليوسف بلاء وشدة ، وجعلها آخرا بشرى ورحمة ، وذلك أن الملك الأكبر الريان بن الوليد رأى في نومه كأنما خرج من نهر يابس سبع بقرات سمان ، في أثرهن سبع عجاف - أي مهازيل - وقد أقبلت العجاف على السمان فأخذن بآذانهن فأكلنهن ، إلا القرنين ، ورأى سبع سنبلات خضر قد أقبل عليهن سبع يابسات فأكلنهن حتى أتين عليهن فلم يبق منهن شيء وهن يابسات ، وكذلك البقر كن عجافا فلم يزد فيهن شيء من أكلهن السمان ، فهالته الرؤيا ، فأرسل إلى الناس وأهل العلم منهم والبصر بالكهانة والنجامة والعرافة والسحر ، وأشراف قومه ، فقال : " يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي " فقص عليهم ، فقال القوم : " أضغاث أحلام " [ يوسف : 44 ] قال ابن جريج قال لي عطاء : إن أضغاث الأحلام الكاذبة المخطئة من الرؤيا . وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : إن الرؤيا منها حق ، ومنها أضغاث أحلام ، يعني بها الكاذبة . وقال الهروي : قوله تعالى : " أضغاث أحلام " أي أخلاط أحلام . والضغث في اللغة الحزمة من الشيء كالبقل والكلأ وما أشبههما ، أي قالوا : ليست رؤياك ببينة ، والأحلام الرؤيا المختلطة . وقال مجاهد : أضغاث الرؤيا أهاويلها . وقال أبو عبيدة : الأضغاث ما لا تأويل له من الرؤيا .

قوله تعالى : " سبع بقرات سمان " حذفت الهاء من " سبع " فرقا بين المذكر والمؤنث " سمان " من نعت البقرات ، ويجوز في غير القرآن سبع بقرات سمانا ، نعت للسبع ، وكذا خضرا ، قال الفراء : ومثله : " سبع سماوات طباقا{[9131]} " [ نوح : 15 ] . وقد مضى في سورة " البقرة{[9132]} " اشتقاقها{[9133]} ومعناها . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : المعز والبقر إذا دخلت المدينة فإن كانت سمانا فهي سني{[9134]} رخاء ، وإن كانت عجافا كانت شدادا ، وإن كانت المدينة مدينة بحر وإبان سفر قدمت سفن على عددها وحالها ، وإلا كانت فتنا مترادفة ، كأنها وجوه البقر ، كما في الخبر ( يشبه بعضها بعضا ) . وفي خبر آخر في الفتن ( كأنها صياصي البقر{[9135]} ) يريد لتشابهها ، إلا أن تكون صفرا كلها فإنها أمراض تدخل على الناس ، وإن كانت مختلفة الألوان ، شنيعة القرون وكان الناس ينفرون منها ، أو كأن النار والدخان يخرج من أفواهها فإنه عسكر أو غارة ، أو عدو يضرب عليهم ، وينزل بساحتهم . وقد تدل البقرة على الزوجة والخادم والغلة والسنة ؛ لما يكون فيها من الولد والغلة والنبات . " يأكلهن سبع عجاف " من عجُف يعجُف ، على وزن عظم يعظم ، وروي عجِف يعجَف على وزن حمد يحمد .

قوله تعالى : " يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي " جمع الرؤيا رؤى : أي أخبروني بحكم هذه الرؤيا . " إن كنتم للرؤيا تعبرون " العبارة مشتقة من عبور النهر ، فمعنى عبرت النهر ، بلغت شاطئه ، فعابر الرؤيا يعبر{[9136]} بما يؤول إليه أمرها . واللام في " للرؤيا " للتبيين ، أي إن كنتم تعبرون ، ثم بين فقال : للرؤيا قاله الزجاج .


[9131]:راجع ج 18 ص 208.
[9132]:راجع ج 1 ص 216.
[9133]:في ع: اشتقاق البقرة.
[9134]:في ع و و : سنين رخاء.
[9135]:صياصي البقر: قرونها.
[9136]:في ع و ي: يخبر.