السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ} (43)

ولما دنا فرج يوسف عليه السلام رأى ملك مصر الأكبر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هائلة ، كما قال تعالى :

{ وقال الملك إني أرى } ، أي : رأيت عبر بالمضارع حكاية للحال لشدّة ما هاله من ذلك { سبع بقرات سمان } ، أي : خرجن من نهر يابس ، والسمن زيادة البدن من الشحم واللحم وسمان جمع سمينة ، ويجمع سمين أيضاً عليه يقال : رجال سمان ونساء سمان كما يقال : رجال كرام ونساء كرام { يأكلهنّ } ، أي : يبتلعهنّ { سبع } ، أي : من البقر { عجاف } جمع عجفاء ، أي : مهازيل خرجن من ذلك النهر .

تنبيه : جمع عجفاء على عجاف ، والقياس عجف نحو حمراء وحمر حملاً له على سمان ؛ لأنه نقيضه ، ومن دأبهم حمل النظير على النظير والنقيض على النقيض { و } إني أرى { سبع سنبلات خضر } ، أي : قد انعقد حبها { و } إني أرى سبع سنبلات { أخر يابسات } ، أي : قد أدركت ، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها وإنما استغنى عن بيان حالها بما نص من حال البقرات ، والسنبلة نبات كالقصبة فيها جملة حبوب منتظمة ، فكأنه قيل : فكان ماذا ؟ فقيل : قال الملك بعد أن جمع السحرة والكهنة والمعبرين { يا أيها الملأ } ، أي : الأشراف النبلاء الذين تملأ العيون مناظرهم والقلوب مآثرهم { أفتوني في رؤياي } ، أي : أخبروني بتأويلها { إن كنتم للرؤيا تعبرون } ، أي : إن كنتم عالمين بعبارة الرؤيا فاعبروها .

تنبيه : اللام في { للرؤيا } مزيدة فلا تعلق لها بشيء ، وزيدت لتقدّم المعمول تقويةً للعامل كما زيدت إذا كان العامل فرعاً كقوله تعالى : { فعال لما يريد } [ البروج ، 16 ] ولا تزاد فيما عدا ذينك إلا ضرورة ، وقيل : ضمن تعبرون معنى ما يتعدّى باللام تقديره : إن كنتم تنتدبون لعبارة الرؤيا ، وقيل : متعلقة بمحذوف على أنها للبيان كقوله تعالى : { وكانوا فيه من الزاهدين } [ يوسف ، 20 ] تقديره : أعني فيه ، وكذلك هذا تقديره : أعني للرؤيا ، وعلى هذا يكون مفعول تعبرون محذوفاً تقديره تعبرونها ، وفي الآية ما يوجبه حال العلماء من حاجة الملوك إليهم فكأنه قيل : فما قالوا ؟ .