المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ} (43)

المعنى : { وقال الملك } الأعظم : { إني أرى } يريد في منامه ، وقد جاء ذلك مبيناً في قوله تعالى : { إني أرى في المنام أني أذبحك }{[6695]} . وحكيت حال ماضية ف { أرى } وهو مستقبل من حيث يستقبل النظر في الرؤيا{[6696]} . { سبع بقرات سمان } يروى أنه قال : رأيتها خارجة من نهر ، وخرجت وراءها { سبع عجاف } ، فرأيتها أكلت تلك السمان حتى حصلت في بطونها ورأى «السنابل » أيضاً كما ذكر ، و «العجاف » التي بلغت غاية الهزال ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]

ورجال مكة مسنتون عجاف{[6697]}*** ثم قال لجماعته وحاضريه : { يا أيها الملأ أفتوني } .

قرأت فرقة بتحقيق الهمزتين ، وقرأت فرقة بأن لفظت بألف «أفتوني » واواً .

وقوله : { للرؤيا } دخلت اللام لمعنى التأكيد والربط ، وذلك أن المفعول إذا تقدم حسن في بعض الأفعال أن تدخل عليه لام ، وإذا تأخر لم يحتج الفعل إلى ذلك . و «عبارة الرؤيا » مأخوذة من عبر النهر ، وهو تجاوزه من شط إلى شط ، فكأن عابر الرؤيا ينتهي إلى آخر تأويلها .


[6695]:من الآية (102) من سورة (الصافات)، ومما يلفت النظر أن ابن عطية أحال على تفسير الرؤيا على آية الصافات هنا، وكان الأولى أن يحيل عندما ذكر له الفتيان ما رآه منهما.
[6696]:معنى ذلك أن (أرى) حكاية حال ماضية، ولذلك جاءت بلفظ المضارع الذي يدل على الاستقبال دون (رأيت) التي تدل على الزمن الماضي. وتأمل كيف جعل الله لرؤيا ليوسف في أول أمره مع أبيه وإخوته بلاء وشدة، ثم جعلها آخرا من هذا الملك بشرى ورحمة.
[6697]:البيت لابن الزبعرى، وهو بتمامه: عمرو العلا شهم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف ومسنتون: أصابهم سنة وقحط وأجدبوا، وفي حديث أبي تميمة: (الله الذي إذا أسنت أنبت لك)، أي: إذا أجدبت أخصب لك. وعجاف: بلغوا غاية الهزال والضعف.