تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يَعۡرُجُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥٓ أَلۡفَ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (5)

وقوله : { يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } أي : يتنزل{[23058]} أمره من أعلى السموات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة ، كما قال الله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنزلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [ الطلاق : 12 ] .

وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا ، ومسافة ما بينها وبين الأرض [ مسيرة ] {[23059]} خمسمائة سنة ، وسمك السماء خمسمائة سنة .

وقال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك : النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام ، وصعوده في مسيرة خمسمائة عام ، ولكنه يقطعها في طرفة عين ؛ولهذا قال تعالى : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ } .


[23058]:- في ت، ف: "ينزل".
[23059]:- زيادة من ت، ف، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يَعۡرُجُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥٓ أَلۡفَ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ } .

يقول تعالى ذكره : الله هو الذي يدبر الأمر من أمر خلقه من السماء إلى الأرض ، ثم يعرُج إليه .

واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله ثُمّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ فقال بعضهم : معناه : أن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض ، ويصعد من الأرض إلى السماء في يوم واحد ، وقدر ذلك ألف سنة مما تعدّون من أيام الدنيا ، لأن ما بين الأرض إلى السماء خمس مئة عام ، وما بين السماء إلى الأرض مثل ذلك ، فذلك ألف سنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو بن معروف ، عن ليث ، عن مجاهد فِي يَوْمٍ كان مقْدَارُهُ ألْفَ سَنَةٍ يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد ، وذلك مقداره ألف سنة ، لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمس مئة عام .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة يُدَبّرُ الأَمْرَ مِنَ السّماءِ إلى الأرْض ثُمّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ من أيامكم كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سنة مِمّا تَعُدّونَ يقول : مقدار مسيره في ذلك اليوم ألف سنة مما تعدّون من أيامكم من أيام الدنيا خمس مئة سنة نزوله ، وخمس مئة صعوده فذلك ألف سنة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك ثُمّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ قال : تعرج الملائكة إلى السماء ، ثم تنزل في يوم من أيامكم هذه ، وهو مسيرة ألف سنة .

قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن سماك ، عن عكرمة ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ قال : من أيام الدنيا .

حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي الحارث ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّماءِ إلى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ من أيامكم هذه ، مسيرة ما بين السماء إلى الأرض خمس مئة عام .

وذكر عن عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : تنحدر الأمور وتصعد من السماء إلى الأرض في يوم واحد ، مقداره ألف سنة ، خمس مئة حتى ينزل ، وخمس مئة حتى يعرُج .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، ثم يعرج إليه في يوم من الأيام الستة التي خلق الله فيهنّ الخلق ، كان مقدار ذلك اليوم ألف سنة مما تعدّون من أيامكم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ قال : ذلك مقدار المسير قوله كألف سنة مما تعدّون ، قال : خلق السموات والأرض في ستة أيام ، وكلّ يوم من هذه كألف سنة مما تعدّون أنتم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدونَ قال : الستة الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدونَ يعني هذا اليوم من الأيام الستة التي خلق الله فيهنّ السموات والأرض وما بينهما .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض بالملائكة ، ثم تعرج إليه الملائكة ، في يَوْمٍ كان مقداره ألف سنة من أيام الدنيا . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله ثُمّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ ألْفَ سَنَةٍ قال : هذا في الدنيا تعرج الملائكة إليه في يوم كان مقداره ألف سنة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ ألْفَ سَنَةٍ قال : ما بين السماء والأرض مسيرة ألف سنة مما تعدّون من أيام الاَخرة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة أنه قال في هذه الاَية : يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ قال : ما بين السماء والأرض مسيرة ألف سنة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض في يوم كان مقدار ذلك التدبير ألف سنة مما تعدّون من أيام الدنيا ، ثم يعرج إليه ذلك التدبير الذي دبره . ذكر من قال ذلك :

ذُكر عن حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، أنه قال : يقضي أمر كل شيء ألف سنة إلى الملائكة ثم كذلك حتى تمضي ألف سنة ، ثم يقضي أمر كل شيء ألفا ، ثم كذلك أبدا ، قال : يوم كان مقداره ، قال : اليوم أن يقال لما يقضي إلى الملائكة ألف سنة ، كن فيكون ، ولكن سماه يوما . سماه كما بيّنا كل ذلك عن مجاهد ، قال : وقوله : إنّ يَوْما عِنْدَ رَبّك كألْفِ سَنَةِ مِمّا تَعُدّون قال : هو هوسواء .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، ثم يعرج إلى الله في يوم كان مقداره ألف سنة ، مقدار العروج ألف سنة مما تعدّون . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال : قال ابن زيد ، في قوله : ثُمّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سَنَةِ مِمّا تَعُدّونَ قال بعض أهل العلم : مقدار ما بين الأرض حين يعرج إليه إلى أن يبلغ عروجه ألف سنة ، هذا مقدار ذلك المعراج في ذلك اليوم حين يعرج فيه .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معناه : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، ثم يعرج إليه في يوم ، كام مقدار ذلك اليوم في عروج ذلك الأمر إليه ، ونزوله إلى الأرض ألف سنة مما تعدون من أيامكم خمس مئة في النزول ، وخمس مئة في الصعود ، لأن ذلك أظهر معانيه ، وأشبهها بظاهر التنزيل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يَعۡرُجُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥٓ أَلۡفَ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (5)

{ الأمر } اسم جنس لجميع الأمور ، والمعنى ينفذ الله تعالى قضاءه بجميع ما يشاؤه ، { ثم يعرج إليه } خبر ذلك { في يوم } من أيام الدنيا { مقداره } أن لو سير فيه السير المعروف من البشر { ألف سنة } لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة سنة هذا أحد الأقوال ، وهو قو لمجاهد وابن عباس وقتادة وعكرمة والضحاك ، وقال مجاهد أيضاً : إن المعنى أن الضمير في { مقداره } عائد على «التدبير » ، أي كان مقدار التدبير المنقضي في يوم ألف سنة لو دبرها البشر ، وقال مجاهد أيضاً المعنى أن الله تعالى يدبر ويلقي إلى الملائكة أمور ألف سنة من عندنا وهو اليوم عنده فإذا فرغت ألقى إليهم مثلها ، فالمعنى أن الأمور تنفذ عنده لهذه المدة ثم تصير إليه آخراً لأن عاقبة الأمور إليه ، وقيل المعنى { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض } في مدة الدنيا { ثم يعرج إليه } يوم القيامة ويوم القيامة { مقداره ألف سنة } من عندنا وهو على الكفار قدر خمسين ألف سنة لهوله وشنعته حسبما في سورة «سأل سائل »{[9403]} وسنذكر هنالك ما فيه من الأقوال والتأويل إن شاء الله ، وحكى الطبري في هذه الآية عن بعضهم أنه قال قوله { في يوم } إلى آخر الآية متعلق بقوله قبل هذا { في ستة أيام } [ السجدة : 4 ] ومتصل به أي أن تلك الستة كل واحد منها من ألف سنة{[9404]} .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا قول ضعيف مكرهة ألفاظ هذه الآية عليه رادة له الأحاديث التي بينت أيام خلق الله تعالى المخلوقات ، وحكي{[9405]} أيضاً عن ابن زيد عن بعض أهل العلم أن الضمير في { مقداره } عائد على العروج ، والعروج الصعود ، والمعارج الأدراج التي يصعد عليها ، وقالت فرقة معنى الآية يدبر أمر الشمس في أنها تصعد وتنزل في يوم وذلك قدر ألف سنة .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا أيضاً ضعيف وظاهر عود الضمير في { إليه } على اسم الله تعالى كما قال { ذاهب إلى ربي }{[9406]} [ الصافات : 99 ] ، وكما قال «مهاجر إلى ربي »{[9407]} ، وهذا كله بريء من التحيز ، وقيل إن الضمير يعود على { السماء } لأنها قد تذكر ، وقرأ جمهور الناس «تعدون » بالتاء ، وقرأ الأعمش والحسن بخلاف عنه «يعدون » بالياء من تحت .


[9403]:أي سورة المعارج، وقد ورد ذلك في قوله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} الآية رقم 4.
[9404]:أي: مكون من ألف سنة.
[9405]:أي: الطبري.
[9406]:من الآية 99 من سورة الصافات، وهي قوله تعالى:{وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين}.
[9407]:من الآية 26 من سورة العنكبوت، وهي قوله تعالى: {فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم}.