{ يُدَبِّرُ } أي يحكم { الأَمْرَ } بقضائه وقدره { مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ } إلى أن تقوم الساعة ، والمعنى : ينزل أمره من أعلى السموات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة ، كما قال سبحانه : { الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن } . ومسافة ما بين سماء الدنيا والأرض التي تحتها نزولا وطلوعا ألف سنة من أيام الدنيا .
وقيل : المراد بالأمر المأمور به من الأعمال ، أي ينزله مدبرا من السماء إلى الأرض ، وقيل : يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية من الملائكة وغيرها نازلة أحكامها وآثارها إلى الأرض . وقيل ينزل الوحي مع جبريل ، وقيل العرش موضع التدبير ، كما أن ما دون العرش موضع التفصيل كما في قوله : ثم استوى على العرش يدبر الأمر يفصل الآيات ، وما دون السموات موضع التصرف قال تعالى : { ولقد صرفناه بينهم ليذكروا } . وقال ابن عباس ، يدبر الأمر هذا في الدنيا أي شأنها ولحالها ، والأمور التي تقع فيها ، والمراد بتدبير أمرها القضاء السابق ، الذي هو الإرادة الأزلية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص ، ثم لما ذكر سبحانه تدبير الأمر قال :
{ ثُمَّ يَعْرُجُ } قرأ الجمهور على البناء للفاعل ، وقرئ على البناء للمفعول والأصل يعرج به أي يرجع ذلك الأمر ، ويعود ذلك التدبير والتصرف في المخلوقات بالحشر ، والحساب ، ووزن الأعمال ، والتعذيب ، والتنعيم ، وغير ذلك مما يقع في ذلك اليوم { إِلَيْهِ } سبحانه { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } قرأ الجمهور بالفوقية على الخطاب ، وقرئ بالتحتية على الغيبة أي تعدونه من أيام الدنيا ، وذلك باعتبار مسافة النزول من السماء ، والطلوع من الأرض كما قدمنا . وقيل : إن المراد يعرج إليه في يوم القيامة الذي مقداره كذا من أيام الدنيا ، وذلك حين ينقطع أمر الدنيا ، ويموت من فيها وقيل هي أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع من يرسله إليها من الملائكة ، والمعنى : أنه يثبت ذلك عنده ، ويكتب في صحف ملائكته ما عمله أهل الأرض في كل وقت من الأوقات إلى أن تبلغ مدة الدنيا آخرها . وقيل : المعنى يثبت في عمله موجودا بالفعل في برهة من الزمان ، هي مقدار ألف سنة والمراد طول امتداد ما بين تدبير الحوادث وحدوثها من الزمان .
وقيل : يدبر أمر الحوادث اليومية بإثباتها في اللوح المحفوظ فينزل بها الملائكة . ثم يعرج إليه في زمان هو كألف سنة من أيام الدنيا . وقيل يقضي قضاء ألف سنة فينزل به الملائكة ، ثم يعرج بعد الألف لألف آخر . وقيل المراد أن الأعمال التي هي طاعات يدبرها الله سبحانه ، وينزل بها ملائكته ، ثم لا يعرج منها إليه إلا الخالص بعد مدة متطاولة لقلة المخلصين من عباده .
وقيل الضمير في يعرج يعود إلى الملك ، وإن لم يجر له ذكر لأنه مفهوم من السياق وقد جاء صريحا في قوله : { تعرج الملائكة والروح إليه } والضمير في ( إليه ) راجع إلى السماء على لغة من يذكرها ، أو إلى مكان الملك الذي يرجع إليه ، وهو الذي أقره الله فيه .
وقيل المعنى *** يدبر أمر الشمس في الطلوع والغروب ، ورجوعها إلى موضعها من الطلوع في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة وقيل المعنى أن الملك يعرج إلى الله في يوم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة فإن ما بين السماء والأرض مسافة خمسمائة{[1373]}عام ، فمسافة النزول من السماء إلى الأرض والرجوع من الأرض إلى السماء ألف عام ، وقد رجح هذا جماعة من المفسرين منهم ابن جرير .
وقيل : مسافة النزول ألف سنة ، ومسافة الطلوع ألف سنة - روى ذلك عن الضحاك . وهذا اليوم هو عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة ، وليس المراد به مسمى اليوم الذي هو مدة النهار بين ليلتين والعرب قد تعبر عن المدة باليوم كما قال الشاعر :
فإن الشاعر لم يرد يومين مخصوصين ، وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين ، فعبر عن كل واحد من الشطرين بيوم . وعن ابن عباس في الآية قال : من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض ، وعنه قال : لا يتنصف النهار في مقدار يوم من أيام الدنيا في ذلك اليوم ، حتى يقضي بين العباد ، فينزل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ولو كان إلى غيره لم يفرغ في خمسين ألف سنة ، وعنه قال : في يوم من أيامكم هذه ومسيرة ما بين السماء والأرض خمسمائة عام .
وقد استشكل جماعة الجمع بين هذه الآية ، وبين قوله : { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقدار خمسين ألف سنة } فقيل في الجواب : إن يوم القيامة مقداره ألف سنة من أيام الدنيا ؛ ولكنه باعتبار صعوبته وشدة أهواله على الكفار كخمسين ألف سنة ، والعرب تصف كثيرا يوم الكريهة بالطول ، كما تصف يوم السرور بالقصر .
وقيل : إن يوم القيامة فيه أيام ؛ فمنها ما مقداره ألف سنة ، ومنها ما مقداره خمسون ألف سنة . وقيل : هي أوقات مختلفة يعذب الكافر بنوع من أنواع العذاب ألف سنة ، ثم ينقل إلى نوع آخر فيعذب خمسين ألف سنة . وقيل مواقف القيامة خمسون موقفا كل موقف ألف سنة ، فيكون معنى يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة انه يعرج إليه في وقت من تلك الأوقات أو موقف من تلك المواقف وعن مجاهد ، وقتادة والضحاك أنه أراد سبحانه في قوله : { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقدار خمسين ألف سنة } المسافة من الأرض إلى سدرة المنتهى ، التي هي مقام جبريل .
والمراد أنه مسير جبريل ومن معه من الملائكة في ذلك المقام إلى الأرض مسيرة خمسين ألف سنة في مقدار يوم واحد من أيام الدنيا ، وأراد بقوله في يوم كان مقداره ألف سنة المسافة التي بين الأرض وبين السماء الدنيا هبوطا وصعودا فإنها مقدار ألف سنة من أيام الدنيا .
وقيل : إن ذلك إشارة إلى امتداد نفاذ الأمر ، وذلك لأن من نفذ أمره غاية النفاذ في يوم أو يومين وانقطع ، لا يكون مثل من ينفذ أمره في سنين متطاولة ، فقوله في يوم كان مقداره ألف سنة يعني : يدبر الأمر في زمان يوم منه ألف سنة ، فكم يكون الشهر منه ، وكم تكون السنة منه ، وعلى هذا فلا فرق بين ألف سنة وبين خمسين ألف سنة .
وقيل : غير ذلك ، وقد وقف حبر الأمة ابن عباس لما سئل عن الآيتين ، وقال هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما ، وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم . وقال ابن المسيب للسائل هذا ابن عباس قد أبى أن يقول فيهما وهو أعلم مني .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.