الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يَعۡرُجُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥٓ أَلۡفَ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (5)

{ الأمر } المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحة ينزله مدبراً { مِنَ السماء إِلَى الأرض } ثم لا يعمل به ولا يصعد إليه ذلك المأمور به خالصاً كما يريده ويرتضيه إلا في مدة متطاولة ؛ لقلة عمال الله والخلص من عباده وقلة الأعمال الصاعدة ، لأنه لا يوصف بالصعود إلا الخالص ودل عليه قوله على أثره { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } أو يدبر أمر الدنيا كلها من السماء إلى الأرض : لكل يوم من أيام الله وهو ألف سنة ، كما قال : { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ } [ الحج : 47 ] ، { ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } أي يصير إليه ، ويثبت عنده ، ويكتب في صحف ملائكته كل وقت من أوقات هذه المدّة : ما يرتفع من ذلك الأمر ويدخل تحت الوجود إلى أن تبلغ المدة آخرها ، ثم يدبر أيضاً ليوم آخر ، وهلم جرا إلى أن تقوم الساعة . وقيل : ينزل الوحي مع جبريل عليه السلام من السماء إلى الأرض . ثم يرجع إليه ما كان من قبول الوحي أو ردّه مع جبريل ، وذلك في وقت هو في الحقيقة ألف سنة ؛ لأن المسافة مسيرة ألف سنة في الهبوط والصعود ؛ لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة ، وهو يوم من أيامكم لسرعة جبريل ؛ لأنه يقطع مسيرة ألف سنة في يوم واحد ، وقيل : يدبر أمر الدنيا من السماء إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة ، ثم يعرج إليه ذلك الأمر كله ؛ أي يصير إليه ليحكم فيه { فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ } وهو يوم القيامة . وقرأ ابن أبي عبلة : «يعرج » على البناء للمفعول . وقرىء : «يعدون » بالتاء والياء .