تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَمَا يُبۡدِئُ ٱلۡبَٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ} (49)

وقوله : { قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } أي : جاء الحق من الله والشرع العظيم ، وذهبَ الباطل وزهق واضمحل ، كقوله : { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ [ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ {[24406]} ] } [ الأنبياء : 18 ] ، ولهذا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم الفتح ، ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة ، جعل يَطعنُ الصنم{[24407]} بسِيَة قَوْسِه ، ويقرأ : { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } ، { قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } . رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وحده عند هذه الآية ، كلهم من حديث الثوري ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، عن أبي مَعْمَر عبد الله بن سَخبَرَةَ ، عن ابن مسعود ، به{[24408]} .

أي : لم يبق للباطل مقالة ولا رياسة ولا كلمة .

وزعم قتادة والسدي : أن المراد بالباطل هاهنا إبليس ، إنه لا يخلق أحدا ولا يعيده ، ولا يقدر على ذلك . وهذا وإن كان حقًا ولكن ليس هو المراد هاهنا{[24409]} والله أعلم .


[24406]:- زيادة من ت.
[24407]:- في ت ، س ، أ: "الصنم منها".
[24408]:- صحيح البخاري برقم (2478 ، 4287) وصحيح مسلم برقم (1781) وسنن الترمذي برقم (3138) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11428).
[24409]:- في ت: "الآية"
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَمَا يُبۡدِئُ ٱلۡبَٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ} (49)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ إِنّ رَبّي يَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلاّمُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَآءَ الْحَقّ وَمَا يُبْدِىءُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } .

يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لمشركي قومك إنّ رَبّي يَقْذِفُ بالحَقّ وهو الوحي ، يقول : ينزله من السماء ، فيقذفه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عَلاّمُ الغُيُوبِ يقول : علام ما يغيب عن الأبصار ، ولا مَظْهَر لها ، وما لم يكن مما هو كائن ، وذلك من صفة الربّ غير أنه رُفع لمجيئه بعد الخبر ، وكذلك تفعل العرب إذا وقع النعت بعد الخبر ، في أن أتبعوا النعت إعراب ما في الخبر ، فقالوا : إن أباك يقوم الكريم ، فرفع الكريم على ما وَصَفت ، والنصب فيه جائز ، لأنه نعت للأب ، فيتبع إعرابه . قُلْ جاءَ الحَقّ يقول : قل لهم يا محمد : جاء القرآن ووحي الله وَما يُبْدِىءُ الباطِلُ يقول : وما ينشىء الباطل خلقا والباطل هو فيما فسّره أهل التأويل : إبليس وَما يُعِيدُ يقول : ولا يعيده حيا بعد فنائه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : قُلْ إنّ رَبّي يَقْذِفُ بالحَقّ : أي بالوحي عَلاّمُ الغُيُوبِ قُلْ جاءَ الحَقّ أي القرآن وَما يُبْدِىءُ الباطِلُ وَما يُعِيدُ ، والباطل : إبليس : أي ما يخلق إبليس أحدا ، ولا يبعثه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قُلْ إنّ رَبّي يَقْذِفُ بالحَقّ عَلاّمُ الغُيُوبِ ، فقرأ : بَلْ نَقْذِفُ بالحَقّ على الباطلِ . . . إلى قوله وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ قال : يُزْهِق الله الباطل ، ويثبت الله الحقّ الذي دمغ به الباطل ، يدمغ بالحقّ على الباطل ، فيهلك الباطل ويثبت الحقّ ، فذلك قوله قُلْ إنّ رَبّي يَقْذِفُ بالحَقّ عَلاّمُ الغُيُوبِ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَمَا يُبۡدِئُ ٱلۡبَٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ} (49)

وقوله { قل جاء الحق } يريد الشرع وأمر الله ونهيه ، وقال قوم يعني السيف ، وقوله { وما يبدىء الباطل وما يعيد } ، قالت فرقة : { الباطل } هو غير { الحق } من الكذب والكفر ونحوه استعار له الإبداء والإعادة ونفاهما عنه ، كأنه قال وما يصنع الباطل شيئاً ، وقالت فرقة { الباطل } الشيطان ، والمعنى ما يفعل الشيطان شيئاً مفيداً أي ليس يخلق ولا يرزق ، وقالت فرقة { ما } استفهام كأنهم قال وأي شيء يصنع الباطل ؟ .