تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

ثم قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ } أي : تارة يصففن أجنحتهن في الهواء ، وتارة تجمع جناحًا وتنشر جناحًا { مَا يُمْسِكُهُنَّ } أي : في الجو { إِلا الرَّحْمَنُ } أي : بما سخر لهن من الهواء ، من رحمته ولطفه ، { إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } أي : بما يصلح كل شيء من مخلوقاته . وهذه كقوله : { أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ النحل : 79 ] .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

يقول تعالى ذكره : ولقد كذّب الذين من قبل هؤلاء المشركين من قريش من الأمم الخالية رسلهم . فَكَيْفَ كانَ نَكيرِ يقول : فكيف كان نكيري ، تكذيبهم إياهم ، ( أو لَمْ يَرَوْا إلى الطّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافّاتٍ ) يقول : أو لم ير هؤلاء المشركون إلى الطير فوقهم صافات أجنحتهنّ ويَقْبِضْنَ ، يقول : ويقبضن أجنحتهنّ أحيانا . وإنما عُنِي بذلك أنها تَصُفّ أجنحتها أحيانا ، وتقبض أحيانا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : صَافّاتٍ قال : الطير يصفّ جناحه كما رأيت ، ثم يقبضه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : صَافّاتٍ ويَقْبِضْنَ : بسطهنّ أجنحتهنّ وقبضهنّ .

وقوله : ما يُمْسِكُهُنّ إلاّ الرّحْمَنُ ، يقول : ما يمسك الطير الصافات فوقكم إلا الرحمن . يقول : فلهم بذلك مذكر إن ذكروا ، ومعتبر إن اعتبروا ، يعلمون به أن ربهم واحد لا شريك له ، إنّهُ بِكُلّ شَيْء بَصِيرٌ ، يقول : إن الله بكل شيء ذو بصر وخبرة ، لا يدخل تدبيره خلل ، ولا يرى في خلقه تفاوت .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ، فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها ، ويقبضن : ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن ، وقتا بعد وقت للاستظهار به على التحريك ، ولذلك عدل به إلى صيغة الفعل للتفرقة بين الأصل في الطيران والطارئ عليه ، ما يمسكهن في الجو على خلاف الطبع إلا الرحمن ، الشامل رحمته كل شيء ، بأن خلقهن على أشكال وخصائص هيأتهن للجري في الهواء ، إنه بكل شيء بصير ، يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبر العجائب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

ثم أحال على العبرة في أمر { الطير } ، وما أحكم من خلقتها وذلك بين عجز الأصنام والأوثان عنه ، و : { صافات } جمع صافة ، وهي التي تبسط جناحيها وتصفهما حتى كأنها ساكنة ، وقبض الجناح ضمه إلى الجنب ومنه قول أبي خراش : [ الطويل ]

يحث الجناح بالتبسط والقبض{[11219]}*** وهاتان حالان للطائر يستريح من إحداهما للأخرى . وقوله تعالى : { ويقبضن } عطف المضارع على اسم الفاعل وذلك جائز كما عطف اسم الفاعل على المضارع في قول الشاعر : [ الرجز ]

بات يغشِّيها بعضب باتر*** يقصد في أسوقها وجائر{[11220]}


[11219]:هذا عجز بيت لأبي خراش الهذلي، والبيت بتمامه: يبادر جنح الليل فهو مهابذ يحث الجناح بالتبسط والقبض والمهابذة: الإسراع، ويروى بدلا منها: "فهو موائل" ومعنى واءل: لجأ وخلص، ويقال: واءل الطائر أيضا بمعنى: بادر، والتبسط، مد الجناحين، والقبض: ضمهما إلى الجانبين، وهما حالان للطائر يستريح من إحداهما إلى الأخرى كما قال المؤلف، والبيت في ديوان الهذليين، واللسان، والقرطبي.
[11220]:هذا البيت من الأبيات التي لم يعرف قائلها، ويعشيها: يطعمها العشاء – بفتح العين- وهو الطعام الذي يؤكل في وقت العشاء، ويروى بدلا منها "يغشيها" بالغين المعجمة، وهو من الغشاء كالغطاء وزنا ومعنى، أي يشملها ويعمها، والضمير المؤنث هنا للإبل. والبيت في وصف إنسان كريم أسرع إلى عقر إبله لضيوفه، والعضب: السيف، وباتر: قاطع حاد، وهو صفة للعضب، وجملة (يقصد) صفة ثانية له، و (جائر) صفة ثالثة، ومعنى (يقصد): يتوسط ولا يتجاوز الحد، والأسوق: جمع ساق، جمع قلة، وهي ما بين الركبة والقدم، وجائر: ظالم مجاوز للحد، ويروى (أسؤق) بهمز الواو، والبيت في خزانة الأدب، وأمالي ابن الشجري، والعيني، والأشموني، وهو شاهد على جواز عطف اسم الفاعل (جائر) على الفعل المضارع (يقصد) . وللنحويين فيه كلام كثير.