يخبر تعالى عن تمرد{[18290]} الكفرة في قديم الزمان وحديثه ، وتكذيبهم بالحق البين الظاهر مع ما يشاهدون من الآيات [ والآثار ]{[18291]} والدلالات الواضحات ، وأنه ما منعهم من اتباع ذلك إلا طلبهم أن يشاهدوا العذاب الذي وعدوا به عيانًا ، كما قال أولئك لنبيهم : { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [ الشعراء : 187 ] ، وآخرون قالوا : { ائْتِنَا{[18292]} بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [ العنكبوت : 29 ] ، وقالت قريش : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] ، { وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [ الحجر : 7 ، 6 ] إلى غير ذلك [ من الآيات الدالة على ذلك ]{[18293]} .
ثم قال : { إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ } من غشيانهم بالعذاب وأخذهم عن آخرهم ، { أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا } أي : يرونه عيانًا مواجهة [ ومقابلة ]{[18294]} ،
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا مَنَعَ النّاسَ أَن يُؤْمِنُوَاْ إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَىَ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبّهُمْ إِلاّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنّةُ الأوّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً } .
يقول عزّ ذكره : وما منع هؤلاء المشركين يا محمد الإيمان بالله إذ جاءهم الهدى بيان الله ، وعلموا صحة ما تدعوهم إليه وحقيقته ، والاستغفار مما هم عليه مقيمون من شركهم ، إلا مجيئهم سنتنا في أمثالهم من الأمم المكذبة رسلها قبلهم ، أو إتيانهم العذاب قُبُلا .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : أو يأتيهم العذاب فجأة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : أوْ يَأتِيَهُمُ العَذَابُ قُبُلاً قال فجأة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : معناه : أو يأتيهم العذاب عيانا . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله أوْ يَأتِيَهُمُ العَذَابُ قُبُلاً قال : قبلاً معاينة ذلك القبل .
وقد اختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته جماعة ذات عدد أوْ يَأْتِيَهُمْ العَذَابُ قُبُلاً بضمّ القاف والباء ، بمعنى أنه يأتيهم من العذاب ألوان وضروب ، ووجهوا القُبُل إلى جمع قبيل ، كما يُجمع القتيل القُتُل ، والجديد الجُدُد . وقرأ جماعة أخرى : «أوْ يَأْتِيَهُمْ العَذَابُ قِبَلاً » بكسر القاف وفتح الباء ، بمعنى أو يأتيهم العذاب عيانا من قولهم : كلمته قِبَلاً . وقد بيّنت
القول في ذلك في سورة الأنعام بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.