فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّهُمۡ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِينَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ قُبُلٗا} (55)

{ وَمَا مَنَعَ الناس أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الهدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأولين } قد تقدّم الكلام على مثل هذا في سورة بني إسرائيل ، وذكرنا أنّ ( أن ) الأولى في محل نصب ، والثانية في محل رفع ، والهدى : القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم ، والناس هنا هم أهل مكة ، والمعنى على حذف مضاف ، أي : ما منع الناس من الإيمان والاستغفار إلا طلب إتيان سنة الأوّلين ، أو انتظار إتيان سنة الأوّلين ، وزاد الاستغفار في هذه السورة لأنه قد ذكر هنا ما فرط منهم من الذنوب التي من جملتها جدالهم بالباطل ، وسنة الأوّلين هو أنهم إذا لم يؤمنوا عذبوا عذاب الاستئصال . قال الزجاج : سنّتهم هو قولهم : { إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ } الآية [ الأنفال : 2 ] { أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب } أي : عذاب الآخرة { قُبُلاً } قال الفراء : إن قبلاً جمع قبيل ، أي : متفرقاً يتلو بعضه بعضاً ، وقيل : عياناً ، وقيل : فجأة . ويناسب ما قاله الفراء قراءة أبي جعفر وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي ويحيى بن وثاب وخلف { قُبُلاً } بضمتين فإنه جمع قبيل ، نحو سبيل وسبل ، والمراد : أصناف العذاب ، ويناسب التفسير الثاني ، أي : عياناً ، قراءة الباقين بكسر القاف وفتح الباء أي : مقابلة ومعاينة ، وقرئ بفتحتين على معنى : أو يأتيهم العذاب مستقبلاً ، وانتصابه على الحال . فحاصل معنى الآية أنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون إلا عند نزول عذاب الدنيا المستأصل لهم ، أو عند إتيان أصناف عذاب الآخرة أو معاينته .

/خ59