تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَعَلَّمۡنَٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسٖ لَّكُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡۖ فَهَلۡ أَنتُمۡ شَٰكِرُونَ} (80)

وقوله : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِيُحْصِنَكُمْ{[19735]} مِنْ بَأْسِكُمْ } يعني صنعة الدروع .

قال قتادة : إنما كانت الدروع قبله صفائح ، وهو أول من سردها حلَقًا . كما قال تعالى : { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ . أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ } [ سبأ : 10 ، 11 ] أي : لا توسع الحلقة فتقلق{[19736]} المسمار ، ولا تغلظ المسمار فتَقَدّ الحَلْقة ؛ ولهذا قال : { لِيُحْصِنَكُمْ{[19737]} مِنْ بَأْسِكُمْ } يعني : في القتال ، { فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ } أي : نعم الله عليكم ، لما ألهم به عبده داود ، فعلمه ذلك من أجلكم .


[19735]:- في ف ، أ : "لتحصنكم".
[19736]:- في ف : "فتفلق".
[19737]:- في ف ، أ : "لتحصنكم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَعَلَّمۡنَٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسٖ لَّكُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡۖ فَهَلۡ أَنتُمۡ شَٰكِرُونَ} (80)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَعَلّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وعلمنا داود صنعة لَبوس لكم ، واللّبوس عند العرب : السلاح كله ، درعا كان أو جَوْشنا أو سيفا أو رمحا ، يدلّ على ذلك قول الهُذليّ :

وَمَعِي لَبُوسٌ لِلّبِيسِ كأنّهُ *** رَوْقٌ بِجَبْهَةِ ذِي نِعاجٍ مُجْفِلِ

وإنما يصف بذلك رمحا . وأما في هذا الموضع فإن أهل التأويل قالوا : عني الدروع . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَعَلّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ . . . . الاَية ، قال : كانت قبل داود صفائح ، قال : وكان أوّل من صنع هذا الحلق وسرد داود .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَعَلّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ قال : كانت صفائح ، فأوّل من سَرَدَها وحَلّقها داود عليه السلام .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : لِتُحْصِنَكُمْ فقرأ ذلك أكثر قرّاء الأمصار : «لِيُحْصِنَكُمْ » بالياء ، بمعنى : ليحصنكم اللّبوس من بأسكم ، ذَكّروه لتذكير اللّبوس . وقرأ ذلك أبو جعفر يزيد بن القعقاع : لِتُحْصِنَكُمْ بالتاء ، بمعنى : لتحصنكم الصنعة ، فأنث لتأنيث الصنعة . وقرأ شيبة بن نصاح وعاصم بن أبي النّجود : «لِنُحْصِنَكُمْ » بالنون ، بمعنى : لنحصنكم نحن من بأسكم .

قال أبو جعفر : وأولى القراءات في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه بالياء ، لأنها القراءة التي عليها الحجة من قرّاء الأمصار ، وإن كانت القراءات الثلاث التي ذكرناها متقاربات المعاني وذلك أن الصنعة هي اللبوس ، واللّبوس هي الصنعة ، والله هو المحصن به من البأس ، وهو المحصن بتصيير الله إياه كذلك . ومعنى قوله : «لِيُحْصِنَكُمْ » ليحرزَكم ، وهو من قوله : قد أحصن فلان جاريته . وقد بيّنا معنى ذلك بشواهده فيما مضى قبل . والبأس : القتال ، وعلّمنا داود صنعة سلاح لكم ليحرزكم إذا لبستموه ولقيتم فيه أعداءكم من القتل .

وقوله : فَهَلْ أنْتُمْ شاكُرونَ يقول : فهل أنتم أيها الناس شاكروا الله على نعمته عليكم بما علّمكم من صنعة اللبوس المحصِن في الحرب وغير ذلك من نعمه عليكم ، يقول : فاشكروني على ذلك .