الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَعَلَّمۡنَٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسٖ لَّكُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡۖ فَهَلۡ أَنتُمۡ شَٰكِرُونَ} (80)

قوله : { لَبُوسٍ } : الجمهورُ على فتح اللام ، وهو الشيءُ المُعَدُّ لِلُّبْس . قال الشاعر :

البَسْ لكلِّ حالةٍ لَبُوْسَها *** إمَّا نَعيمَها وإمَّا بُوْسَها

وقُرِىء " لُبُوْس " بضمِّها ، وحينئذٍ : إمَّا أَنْ يكونَ جمعَ لُبْسِ المصدرِ الواقعِ موقعَ المفعول ، وإمَّا أَنْ لا يكونَ واقعاً موقعَه ، والأولُ أقربُ . و " لكم " يجوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بعَلَّمْناه ، وأَنْ يتعلَّقَ بصَنْعَة . قاله أبو البقاء . وفيه بُعْد ، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لِلَبوس .

قوله : { لِتُحْصِنَكُمْ } هذه لامُ كي . وفي متعلِّقها أوجهٌ ، أحدها : أن يتعلَّقَ بَعَلَّمْناه . وهذا ظاهرٌ على القولين الأخيرين . وأمَّا على القولِ الثالثِ فيُشْكِلُ . وذلك أنه يلزمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جر متحدَيْن لفظاً ومعنىً . ويُجاب عنه : بأَنْ يُجْعَلَ بدلاً من " لكم " بإعادةِ العاملِ ، كقوله تعالى : { لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ } [ الزخرف : 33 ]/ وهو بدلُ اشتمالٍ وذلك أنَّ " أنْ " الناصبةَ للفعلِ المقدرِ مؤولةٌ هي ومنصوبُها بمصدرٍ . وذلك المصدرُ بدلٌ من ضميرِ الخطابِ في " لكم " بدلُ اشتمالٍ ، والتقدير : وعَلَّمْناه صنعةَ لَبوسٍ لتحصينِكم .

الثاني : أَنْ يتعلَّقَ ب " صَنْعَةَ " على معنى أنه بدلٌ من " لكم " كما تقدَّم تقريرُه ، وذلك على رأي أبي البقاء فإنه عَلَّق " لكم " ب " صَنْعَةَ " . والثالث : أن يتعلَّقَ بالاستقرار الذي تعلَّقَ به " لكم " إذا جَعَلْناه صفةً لِما قبله .

وقرأ الحَرَمِيَّان والأخَوان وأبو عمرو " ليُحْصِنَكم " بالياء من تحتُ . والفاعلُ اللهُ تعالى وفيه التفاتٌ على هذا الوجهِ إذ تَقَدَّمَه ضميرُ المتكلم في قولِه : { وَعَلَّمْنَاهُ } أو داودُ أو التعليمُ أو اللَّبوس . وقرأ حفصٌ وابن ُ عامر بالتاء من فوقُ . والفاعل الصَّنْعَةُ أو الدِّرْعُ وهي مؤنثةٌ ، أو اللَّبوس ؛ لأنها يُراد بها ما يُلْبَسُ ، وهو الدِّرْعُ ، والدِّرْعُ مؤنثة كما تقدم . وقرأ أبو بكر " لِنُحْصِنَكم " " بالنونِ جرياً على " عَلَّمْناه " وعلى هذه القراءاتِ الثلاثِ : الحاءُ ساكنةٌ والصادُ مخففةٌ .

وقرأ الأعمش " لتُحَصِّنَكم " وكذا الفقيمي عن أبي عمروٍ بفتحِ الحاءِ وتشديد الصادِ على التكثير . إلاَّ أنَّ الأعمشَ بالتاءِ من فوقُ ، وأبو عمروٍ بالياء من تحتُ . وقد تقدَّم ما هو الفاعلُ .