الإنعام الثاني قوله :{ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ } الجمهور على فتح اللام{[29162]} من «لَبُوسٍ » وهو الشيء المعد للبس قال الشاعر :
3730- أَلْبَسُ لكُلِّ حَالَةٍ لَبُوسَهَا *** إِمَّا نَعِيْمَهَا وَإمَّا بُوسَهَا{[29163]}
والمراد باللبوس هنا الدرع لأنها لا تلبس ، وهي في اللغة اسم لكل ما يلبس . ويستعمل في الأسلحة كلها ، وهو بمعنى الملبوس كالحلوب{[29164]} والركوب .
وقرئ «لُبُوس » بضم اللام{[29165]} ، وحينئذ إما أنْ يكون جمع لُبْس المصدر الواقع موقع المفعول ، وإما أنْ لا يكون واقعاً موقعه ، والأول أقرب . و «لَكُمْ » يجوز أن يتعلق ب «عَلَّمْنَاه »{[29166]} ، وأن يتعلق ب «صَنْعَةَ » قاله أبو البقاء{[29167]} ، وفيه بُعْد . وأن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل «لَبُوس »{[29168]} . قال قتادة : أول من صنع الدروع وسردها وحلقها داود وإنما كانت صفائح{[29169]} .
قوله : { لِتُحْصِنَكُم } . هذه لام كي{[29170]} ، وفي متعلقها أوجه :
أحدها : أن تتعلق ب «عَلَّمْنَاهُ »{[29171]} ، وهذا ظاهر على القولين الآخرين وأما على القول الثالث فيشكل ، وذلك أنه يلزم تعلق جر في جر متحدين لفظاً ومعنى . ويجاب عنه بأن يجعل بدلاً من «لَكُمْ » بإعادة العامل كقوله تعالى : { لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ }{[29172]} وهو بدل اشتمال ، وذلك أنَّ أنْ الناصبة للفعل المقدرة مؤولة وهي منصوبها بمصدر ، وذلك المصدر بدل من ضمير المخاطب في «لَكُمْ » بدل اشتمال ، والتقدير : وعلمناه صنعة لبوس لتحصنكم .
والثاني : أن تتعلق ب «صَنْعَةَ »{[29173]} على معنى أنه بدل من «لَكُم » كما تقدم تقريره وذلك على رأي أبي البقاء ، فإنه علَّق «لَكُمْ » ب «صَنْعَةَ »{[29174]} .
والثالث : أنها تتعلق بالاستقرار الذي تعلق به «لَكُمْ » إذا جعلناه صفة لما قبله{[29175]} . وقرأ الحرميان{[29176]} والأخوان{[29177]} وأبو عمرو : «لِيُحْصِنَكُمْ » بالياء من تحت{[29178]} ، والفاعل الله تعالى ، وفيه التفات{[29179]} على هذا الوجه ، إذ تقدمه ضمير المتكلم في قوله «وَعَلَّمْنَاهُ » . أو داود ، أو التعليم ، أو اللبوس{[29180]} . وقرأ حفص وابن عامر بالتاء من فوق{[29181]} ، والفاعل الصنعة أو الدرع ، وهي مؤنثة ، أو اللبوس ، لأنها يراد بها ما يلبس ، وهو الدرع ، والدرع مؤنثة كما تقدم{[29182]} .
وقرأ أبو بكر «لِنُحْصِنَكُمْ » بالنون{[29183]} جرياً على «عَلَّمْنَاهُ »{[29184]} . وعلى هذه القراءات الثلاث الحاء ساكنة والصاد مخففة . وقرأ الأعمش «لِيحَصِّنكم » وكذا النعيمي{[29185]} عن أبي عمرو بفتح الحاء وتشديد الصاد على التكثير إلاَّ أن الأعمش بالتاء من فوق وأبو عمرو بالياء من تحت{[29186]} وقُدِّمَ{[29187]} ما هو الفاعل{[29188]} .
معنى «لِنُحْصِنَكُم » أي : لنحرزكم ونمنعكم من بأسكم أي : حرب عدوكم{[29189]} .
وقال السُّديّ : من وقع السلاح فيكم{[29190]} . ذكر الحسن أن لقمان الحكيم -صلوات الله عليه- حضر داود وهو يعمل الدرع ، فأراد أن يسأله عمَّا يفعل ثم كف عن السؤال حتى فرغ منها ولبسها على نفسه ، فقال عند ذلك : الصمت حكمة وقليل فاعله{[29191]} . ثم قال تعالى : { فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } يقول لداود وأهل بيته وقيل : يقول لأهل مكة ، فهل أنتم شاكرون نعمي بالطاعة الرسول{[29192]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.